الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ } * { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } * { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } * { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ } * { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } * { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } * { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ }

قوله: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ }. قال ابن مسعود - رضي الله عنه - يعني أبا بكر، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ } أي: بذل واتقى محارم الله التي نهي عنها { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي: بالخلف من الله تعالى على عطائه { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ }.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ يَومٍ غَربت شَمْسهُ إلا بُعِثَ بجَنْبتها مَلكانِ يُنَاديانِ يَسْمَعُهمَا خلقُ اللهِ كُلُّهم إلاَّ الثَّقليْنِ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفقاً خَلفاً، وأعْطِ مُمْسِكاً تَلفاً ".

وأنزل الله تعالى: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ }... الآيات.

فصل

حذف مفعول " أعطى " ومفعول " اتقى " ، ومفعول " صدّق " المجرور بـ " على " ، لأن الغرض ذكرُ هذه الأحداث دون متعلقاتها، وكذلك متعلقات البخل والاستغناء، وقوله تعالى: { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } إما من باب المقابلة لقوله { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } وإما نيسرهُ: بمعنى نهيئه، والتهيئة تكون في العسر واليسر.

فصل في المراد بالإعطاء

قال المفسرون: " فأمَّا مَنْ أعْطَى " المعسرين.

وقال قتادة: أعطى حق الله الواجب.

وقال الحسن: أعطى الصدق من قلبه وصدق بالحسنى، أي بلا إله إلا الله، وهو قول ابن عباس والضحاك والسلمي رضي الله عنهم.

وقال مجاهد: بالجنة؛ لقوله تعالى:لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [يونس: 26].

وقال زيد بن أسلم: في الصلاة والزكاة والصوم.

وقوله: " فسنيسره لليسرى " أي نرشده لأسباب الخير والصلاح حتى يسهل عليه فعلها.

وقال زيد بن أسلم: لليسرى؛ للجنة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " مَا مِن نَفسٍ إلاَّ كتَبَ اللهُ - تَعَالَى - مَدخَلهَا " فقال القَوْمُ: يَا رسُولَ اللهِ، أفَلا نَتَّكِلُ على كِتَابِنَا؟ فقَال - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ -: " بَل اعملُوا فكُلٌّ مُيسَّرٌ، فمن كانَ من أهْلِ السَّعَادةِ فإنَّهُ مُيَسَّرٌ لعملِ أهْلِ السَّعادةِ، ومن كَانِ مِنْ أهْلِ الشَّقَاوةِ فإنَّهُ ميسَّرٌ لعملِ أهْلِ الشَّقاوةِ " ثُمَّ قَرَأ: { فأما من أعْطَى واتَّقَى، وصَدقَ بِالحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى } ".

قوله: { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ }. أي: ضنَّ بما عنده فلم يبذل خيراً، وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله: { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } ، قال: سوف أحول بينه وبين الإيمان بالله وبرسوله.

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال نزلت في أمية بن خلف. وعن ابن عباس: { وأمَّا من بَخِلَ واسْتَغَنَى } ، أي: بخل بماله واستغنى عن ربه { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي: بالخلف الذي وعده الله تعالى في قوله تعالى:وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } [سبأ: 39].

[وقال مجاهد: وكذب بالحسنى أي بالجنة، وعنه: بلا إله إلا الله. فنيسره للعسرى أي نسهل عليه طريقة العسرى للشر، وعن ابن مسعود: أي للنار].

السابقالتالي
2