الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ } * { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا } * { فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا } * { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا } * { وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا }

قوله: { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ }. في هذه الباء ثلاثة أوجه:

أحدها: أنها للاستعانة مجازاً، كقولك: " كتبت بالقلم " ، وبه بدأ الزمخشري، يعني فعلت التكذيب بطغيانها، كقولك: ظلمني بجرأته على الله تعالى.

والثاني: أنها للتعدية، أي كذبت بما أوعدت به من عذابها ذي الطغيان، كقوله تعالى:فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ } [الحاقة: 5] قال ابن عباس - رضي الله عنه -: وكان اسم العذاب الذي جاءها الطغوى، لأنه طغى عليهم. قال ابن الخطيب: وهذا لا يبعد لأن الطغيان مجاوزة [الحد فسمي عذابهم طغوا لأنه كالصيحة مجاوزة] للقدر المعتاد.

والثالث: أنها للسببية، أي: بسبب طغيانها، وهو خروجها عن الحدّ في العصيان قاله مجاهد وقتادة وغيرهما.

وقال محمد بن كعب: بأجمعها.

وقيل: مصدر، وخرج على هذا المخرج، لأنه أشكل برءوس الآي.

وقيل: إن الأصل " بطُغيانِهَا " إلا أن " فُعلَى " إذا كانت من ذوات الياء أبدلت في الاسم واو ليفصل بين الاسم والوصف.

وقرأ العامة: " بطغواها " بفتح الطاء، وهو مصدر بمعنى الطغيان، وإنما قلبت الياء واواً لما تقدم، من الفرق بين الاسم والصفة، يعني أنهم يقرون ياء " فَعْلى " - بالفتح - صفة، نحو جريا، وصديا، ويقلبونها في الاسم، نحو " تَقْوى، وشَرْوى " ، وكان الإقرار في الوصف، لأنه أثقل من الاسم والياء أخف من الواو، فلذلك جعلت في الأثقل.

وقرأ الحسن ومحمد بن كعب والجحدري، وحماد: بضم الطاء، وهو أيضاً مصدر، كالرُّجعى والحسنى، إلا أن هذا شاذ، إذ كان من حقه بقاء الياء على حالها، كالسُّقيا، وبابها، وهذا كله عند من يقول: " طغيت طغياناً " بالياء، فأما من يقول: " طغوت " بالواو فالواو أصل عنده. قاله أبو البقاء، وقد تقدم الكلام على اللغتين في البقرة.

قوله: { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا }. يجوز في " إذ " وجهان:

أحدهما: أن تكون ظرفاً لـ " كذبت ".

والثاني: أن تكون ظرفاً للطغوى.

و " انبعثت " مطاوع بعثت فلاناً على الأمر فانبعث له، و " أشْقَاهَا " فاعل " انبعَثَ " أي: نهض، والانبعاث: الإسراع، وفيه وجهان:

أحدهما: ان يراد به شخص معين، روي أن اسمه: قدار بن سالف.

والثاني: أن يراد به جماعة قال الزمخشري: ويجوز أن يكونوا جماعة للتسوية في " أفعل " التفضيل، إذا أضيف بين الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، وكان يجوز أن يقول: " أشْقَوها ". وكان ينبغي أن يقيد، فيقول: إذا أضيف إلى معرفة، لأن المضاف إلى النكرة حكمه الإفراد والتذكير مطلقاً كالمقترن بـ " من ".

فصل

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذ انبَعَثَ أشْقَاهَا: انبعث لهَا رجلٌ عزيزٌ عارمٌ، منيعٌ في أهلِه، مثلُ أبي زمعة "

السابقالتالي
2 3