الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُنْ مَّعَ ٱلْقَاعِدِينَ } * { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } * { لَـٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قوله تعالى: { وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ } الآية.

" إذَا " لا تقتضي تكراراً بوضعها، وإن كان بعضُ النَّاسِ فهم ذلك منها هنا، وقد تقدَّم ذلك أوَّل البقرة؛ وأنشد عليه: [البسيط]
2824- إذَا وَجَدْتُ أوَارَ الحُبِّ فِي كَبِدِي   ...........................
وأنَّ هذا إنَّما يُفهَمُ من القرائنِ، لا منْ وضع " إذَا ".

قوله: " أَنْ آمِنُواْ " فيه وجهان:

أحدهما: أنَّها تفسيريةٌ؛ لأنَّه فيه تقدَّمها ما هو بمعنى القول لا حروفه.

والثاني: أنَّها مصدريةٌ، على حذف حر الجرّ، أي: بأنْ آمنُوا.

وفي قوله: " ٱسْتَأْذَنَكَ " التفاتٌ من غيْبَةٍ إلى خطاب، وذلك أنَّهُ قد تقدَّم لفظُ " رسُوله " ، فلو جاء على الأصل لقيل: اسْتَأْذَنَهُ ".

فصل

اعلم أنَّهُ تعالى بيَّن في الآيات المتقدمة احتيال المنافقين في التَّخلف عن رسُول الله - عليه الصَّلاة والسَّلام -، والقعود عن الغَزْوِ، وزاد ههنا، أنَّهُ متى نزلت آية فيها الأمر بالغزو مع الرسولِ، استأذن أولو الثروة والقدرة منهم في التخلُّف عن الغزو، وقالوا للرَّسُول عليه الصلاة والسلام: ذَرْنَا نكُن مع القاعدين، أي: مع الضُّعفاء من النَّاس والسَّاكنين في البلد.

و " السُّورة " يجوزُ أن يراد تمامها وأن يراد بعضها، كما يقع القرآن والكتاب على كلِّه وبعضه وقيل: المرادُ بـ " السُّورة " براءة؛ لأنَّ فيها الأمر بالإيمان والجهاد.

قوله { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ }.

الخَوالِفُ: جمع خالفٍ من صفة النِّساءِ، وهذه صفةُ ذمّ؛ كقول زهير: [الوافر]
2825- ومَا أدْرِي وسَوْفَ إخَالُ أدْرِي   أَقوْمٌ آلُ حِصْنٍ أمْ نِسَاءُ؟
فإنْ تَكُنِ النِّساءُ مُخَبَّآتٍ   فحُقَّ لِكُلِّ مُحْصَنَةٍ هِدَاءُ
وقال آخر: [الخفيف]
2826- كُتِبَ القَتْلُ والقِتَالُ عَلَيْنَا   وعَلَى الغَانياتِ جَرُّ الذُّيُولِ
وقال النَّحَّاسُ " يجوزُ أن تكون الخوالف من صفة الرِّجالِ، بمعنى أنَّها جمعُ " خالفة " يقال: رجل خالفة، أي: لا خير فيه ". فعلى هذا يكونُ جمعاً للذكور، باعتبار لفظه. وقال بعضهم: إنَّه جمع " خالف " ، يقال: رجل خالفٌ، أي: لا خير فيه. وهذا مردودٌ، فإنَّ " فواعِل " لا يكونُ جمعاً لـ " فَاعلِ " ، وصفاً لعاقل، إلاَّ ما شذَّ، من نحو: فَوَارِس، ونَواكِس وهَوالك.

ثم قال تعالى: { وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } [التوبة:87] وقد تقدَّم الكلامُ في الطَّبْعِ والختم، أوَّل البقرة.

قوله تعالى: { لَـٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ } الآية.

ومعنى هذا الاستدراك: أنَّه إن تخلَّف هؤلاء المنافقون عن الغزو؛ فقد توجه إليه من هو خير منهم ونظيره:فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ } [الأنعام:89] وقوله:فَإِنِ ٱسْتَكْبَرُواْ فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } [فصلت:38]، ولمَّا وصفهم بالمُسارعةِ إلى الجهادِ، ذكر ما حصل لهم من الفوائدِ، وهي أنواع، أوَّلها: قوله { وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلْخَيْرَاتُ } والخيراتُ: جمع خَيْرة، على " فَعْلة " بكسون العين، وهو المُسْتَحْسَنُ من كُلِّ شيءٍ، وغلبَ استعماله في النِّساء، ومنه قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3