الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ } * { ٱشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ }

قوله تعالى: { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً } الآية.

المستفهمُ عند محذوفٌ، لدلالة المعنى عليه، فقدَّره أبو البقاءِ " كيف تَطْمئنون، أو كيف يكونُ لهم عهدٌ "؟ وقدَّره غيره: كيف لا تقاتلونهم؟. والتقدير الثاني مِنْ تقديري أبي البقاء أحسنُ؛ لأنَّه من جنس ما تقدَّم، فالدلالةُ عليه أقْوى.

وقد جاء الحذفُ في هذا التركيب كثيراً، وتقدَّم منه قوله تعالى:فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ } [آل عمران:25]،فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا } [النساء:41]؛ وقال الشاعر: [الطويل]
2752- وخَبَّرْتُمَاني أنَّما الموتُ في القُرَى   فكيْفَ وهاتا هَضْبَةٌ وكَثِيبُ
أي: كيف مات؟ وقال الحطيئةُ: [الطويل]
2753- فَكيْفَ ولمْ أعلمْهُم خَذلُوكُمُ   علَى مُعظمٍ ولا أديمَكُمُ قدُّوا
أي: كيف تلومونني في مدحهم؟

قال أبُو حيَّان: " وقدَّر أبو البقاءِ الفعل بعد " كيف " بقوله: " كيف تطمئنون " ، وقدَّره غيره بـ " كيف لا تقاتلونهم "؟.

قال شهابُ الدِّين: " ولم يقدره أبُو البقاء بهذا وحده، بل به، وبالوجه المختار كما تقدَّم منه ".

قوله " كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا " " كيف " تكرار، لاستبعاد ثبات المشركينَ على العهد، وحذف الفعل، لكونه معلوماً، أي: كيف يكون لهم عهد وحالهم أنَّهُمْ إن يظهروا عليكم بعد ما سبق لهم من تأكيد الأيمان والمواثيق، لم ينظروا في حلف ولا عهد ولا يبقوا عليكم.

والجملة الشرطية من قوله: " إِن يَظْهَرُوا " في محلِّ نصبٍ على الحالِ، أي: كيف يكونُ لهم عهدٌ، وهم على حالةٍ تنافي ذلك؟ وقد تقدَّم تحقيق هذا عند قوله:وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ } [الأعراف:169]، و " لا يرْقُبوا " جوابُ الشرط، وقرأ زيد بن علي: " وإن يُظهَرُوا " ببنائه للمفعول، من أظهره عليه، أي: جعله غالباً له، يقال: ظهرت على فلان: إذا علوته، وظهرت على السطح: إذا صرت فوقه.

قال اللَّيْثُ: " الظُّهور: الظَّفر بالشَّيء، وأظهر اللهُ المسلمين على المشركين، أي: أعلاهُم عليهم ". قال تعالى:فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ } [الصف:14] وقوله:لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ } [التوبة:33] أي: ليعليه.

قوله: " لاَ يَرْقُبُواْ " قال الليثُ " رقبَ الإنسانَ يرقبُ رقْبةً ورِقْبَاناً، هو أن ينتظره ".

والمعنى: لا ينتظروا، قاله الضحاكُ، ورقيب القوم: حارسهم، وقوله:وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } [طه:94] أي: لم تحفظه.

وقال قطربٌ: " لا يراعوا فيكم إلاَّ ". قوله: " إلاًّ " مفعولُ به بـ " يَرْقُبُوا ". وفي " الإِلِّ " أقوالٌ.

أحدها: أنَّ المراد به العهد، قاله أبو عبيدة، وابن زيد، والسديُّ وكذلك الذمة، إلاَّ أنه كرر، لاختلاف اللفظين؛ ومنه قول الشاعر: [البسيط]
2754- لَوْلاَ بنُو مالكٍ، والإِلُّ مَرْقبةٌ   ومالكٌ فيهمُ الآلاءُ والشَّرَفُ
أي: الحِلْف؛ وقال آخر: [المتقارب]
2755- وجَدْناهُمُ كَاذِباً إلُّهُمْ   وذُو الإِلِّ والعَهْدِ لا يَكْذِبُ

السابقالتالي
2 3 4