الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } * { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } * { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } * { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

قوله: { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [التوبة:72].

والأقرب أنه تعالى أراد بها البساتين التي تبنى فيها المناظر؛ لأنَّهُ تعالى قال بعده { وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ } والمعطوفُ يجبُ أن يكون مغايراً للمعطوف عليه فتكون مساكنهم في جنَّات عدنٍ ومناظرهم التي هي البساتين، وتكون فائدة وصفها بأنَّها عدنٌ، أنَّها تجري مجرى دار السَّكن والإقامة.

وقوله: " خَالِدِينَ " حالٌ مقدَّرة، كما تقدَّم. وقوله: { وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً } أي: منازل طيبة { فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ } أي: خلد وإقامة، وفي " عدن " قولان:

أحدهما: أنَّهُ اسم علم لموضع معين في الجنَّةِ.

قال عبدُ الله بنُ عمرو " إنَّ في الجنَّة قصراً يقال له عدنٌ، حوله البروج وله خمسة آلاف باب على كلِّ باب خمسة ألاف حرة، لا يدخله إلاَّ نبيٌّ، أو صديقٌ أو شهيدٌ ".

قال الزمخشريُّ: و " عدن " علم بدليل قولهجَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ } [مريم:61].

والقول الثاني: أنه صفة للجنة. قال الأزهريُّ: " العَدْنُ " مأخوذ من قولك: عَدَنَ بالمكان إذا أقام به، يَعْدِنُ عُدوناً. وتقول: تركت إبل بني فلان عوادن بمكان كذا، وهو أن تلزم الإبل المكان فتألفه، ومنه المعدن، لمُسْتقرِّ الجواهر. يقال: عدن عُدُوناً، فله مصدران. هذا أصلُ هذه اللفظة لغة. وذكر المفسِّرون لها معان كثيرة وقال الأعشى في معنى الإقامة [المتقارب]
2814- وإنْ يَسْتَضِيفُوا إلى حِلْمِهِ   يُضَافُوا إلى رَاجِحٍ قَدْ عَدَنْ
أي: ثَبَتَ واستقرَّ. ومنه " عدن " لمدينة باليمن، لكثرة المقيمين بها.

قوله: { وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } التَّنكيرُ يفيدُ التقليل، أي: أقلُّ شيء من الرضوان أكبر من جميع ما تقدَّم من الجنَّات ومساكنها.

ثم قال: { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي: هذا هو الفوزُ العظيمُ، لا ما يطلبه المنافقون والكفار من التنعم بطيبات الدنيا. روى أبو سعيدٍ الخدريُّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ لأهل الجنَّة: يا أهل الجنة هل رضيتم؟ فيقولون: ربنا ومالنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: ربنا وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: " أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً " ".

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } الآية.

لمَّا وصف المنافقين بالصِّفاتِ الخبيثةِ، وتوعدهم بأنواع العقاب، ثمَّ ذكر المؤمنين بالصفات الحسنة، ووعدهم بالثَّوابِ، عاد إلى شرح أحوال الكُفَّارِ والمنافقين في هذه الآية.

فإن قيل: مجاهدة المنافقينَ غيرُ جائزة، فإنَّ المنافق يستر كفره وينكره بلسانه.

فالجوابُ من وجوه:

أحدها: قال الضحاكُ: مجاهدة المنافق: تغليظُ القول، وهذا بعيدٌ؛ لأنَّ ظاهر قوله { جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } يقتضي الأمر بجهادهما معاً، وكذا ظاهر قوله: { وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } راجع إلى الفريقين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد