الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } * { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } * { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَٰهِيمَ وَأَصْحَـٰبِ مَدْيَنَ وَٱلْمُؤْتَفِكَـٰتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى: { ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } الآية.

لمَّا شرح أنواع قبائح أفعالهم، بيَّن أنَّ إناثهم كذكورهم في تلك الأعمال المنكرة.

قوله: { بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } مبتدأ وخبر، أي: من جنس بعض، فـ " من " هنا لبيان الجنس وقيل: للتبعيض، أي: إنَّهم إنما يتوالدون بعضهم من بعض على دينٍ واحدٍ، وقيل: أمرهم واحد بالاجتماع على النفاقِ، ثمَّ فصَّل هذا الكلام فقال: " يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ ". هذه الجملةُ لا محلَّ لها؛ لأنَّها مفسرةٌ لقوله: " بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ " ، وكذلك ما عطف على " يَأْمُرُون " ولفظ المنكر يدخلُ فيه كل قبيح، ولفظ المعروف يدخلُ فيه كل حسن، إلاَّ أنَّ الأعظم ههنا من المنكر الشرك والمعصية، والمراد الأعظم ههنا من المعروف الإيمان بالرسول { وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } أي: يمسكونها عن الصَّدقة، والإنفاق في سبيل الله. { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } تركوا طاعة الله فتركهم من توفيقه وهدايته في الدُّنيا ومن رحمته في العقبى.

وإنَّما حملنا النِّسيان على التَّركِ، لأنَّ من نسي شيئاً لم يذكره، فجعل اسم الملزوم كناية عن اللاَّزم، ولأنَّ النسيان ليس في وسع البشر، وهو في حق الله تعالى محال فلا بد من التأويل، وهو ما ذكرنا من التَّرك؛ لأنَّهم تركوا أمر الله حتى صارُوا كالنسي المنسي، فجازاهم بأنَّ صيَّرهم كالشَّيء المنسيّ، كقوله:وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [الشورى:40] ثم قال: { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } أي: الكاملُونَ في الفِسْقِ.

قوله تعالى: { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ } الآية.

قال القرطبيُّ وغيره: يقالُ: وعد الله بالخير وعْداً، ووعدَ بالشَّر وعيداً. وقيل: لا يقال من الشر إلاَّ " أوْعدته " و " توعدته " وهذه الآية رد عليه. لمَّا بيَّن في المنافقين والمنافقات أنه نسيهم، أي: جازاهم على تركهم التَّمسك بطاعةِ الله، أكَّد هذا الوعيد وضمَّ المنافقين إلى الكفار فيه، فقال: { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ } الآية.

وقوله: " خالدين " حالٌ من المفعول الأول للوعد، وهي حالٌ مقدرةٌ؛ لأنَّ هذه الحال لم تقارن الوعد. وقوله: " هِيَ حَسْبُهُم " لا محلَّ لهذه الجملة الاستئنافية. والمعنى: أنَّ تلك العقوبة كافية لهم ولا شيء أبلغ منها، ولا يمكنُ الزيادة عليها.

ثم قال: { وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } أبعدهم الله من رحمته، { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } دائم.

فإن قيل: معنى المقيم والخالد واحد فيكون تكراراً.

فالجوابُ: من وجهين:

الأول: أنَّ لهم نوعاً آخر من العذاب المقيم الدائم سوى العذاب بالنَّار والخلود المذكور أولاً، ولا يدل على أنَّ العذاب بالنَّارِ دائم. وقوله: { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } يدلُّ على أنَّ لهم مع ذلك نوعاً آخر من العذابِ.

فإن قيل هذا مشكل؛ لأنه قال في النَّار المخلدة: " هِيَ حَسْبُهُم " وكونها حسباً يمنع من ضمّ شيء آخر إليه.

السابقالتالي
2 3 4