الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } * { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْخِزْيُ ٱلْعَظِيمُ } * { يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ ٱسْتَهْزِءُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ } * { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ }

قوله تعالى: { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ } الآية.

اعلم أنَّ المنافقين لمَّا لمزوا الرسول عليه الصلاة والسلام في الصدقات، بيَّن لهم أنَّ مصرف الزكاة هؤلاء، ولا تعلق لي بها، ولا آخذ لنفسي نصيباً منها.

وقد ذكر العلماء في الحكمة في وجوب الزكاة أموراً:

منها: قالوا: شكر النِّعمة عبارة عن صرفها إلى طلب مرضاة المنعم، والزكاة شكر النعمة. فوجب القولُ بوجوبها؛ لأنَّ شكر المنعم واجب.

ومنها: أنَّ إيجاب الزكاة توجب حصول الألفة بالمودَّة، وزوال الحقد والحسد بين المسلمين فهذه وجوهٌ معتبرةٌ في الحكمة الناشئة لوجوب الزَّكاة.

ومنها: أنَّ الفاضل عن الحاجات الأصلية إذا أمسكه الإنسان عطَّله عن المقصود الذي لأجله خلق المالُ، وذلك سعي في المنع من ظهور حكمة الله تعالى، وهو غير جائز، فأمر الله بصرف طائفة منه إلى الفقير حتَّى لا تتعطل تلك الحكمة.

ومنها: أنَّ الفقراء عيالُ الله، لقوله تعالىوَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } [هود:6] والأغنياء خزان الله؛ لأنَّ الأموال التي في أيديهم لله تعالى، ولولا أن الله ألقاها في أيديهم، لما ملكوا منها حبة واحدة.

ومنها: أنَّ المال بالكليَّة في يد الغني مع أنَّه غير محتاج إليه، وإهمال جانب الفقير العاجز عن الكسب بالكليَّة، لا يليقُ بحكمة الرحيم؛ فوجب أن يجب على الغنيّ صرف طائفة من ذلك المال إلى الفقير.

ومنها: أنَّ الأغنياء لو لم يقوموا بمهمات الفقراء ربّما حملهم شدة الحاجة ومضرة المسكنة على الالتحاق بأعداء المسلمين، أو على الإقدامِ على الأفعال المنكرة كالسرقة وغيرها؛ فإيجاب الزكاة يفيد هذه الفائدة؛ فوجب القول بوجوبها وقيل غير ذلك.

فصل

كلمة " إنَّما " للحصر، فدلَّت على أنه لا حق في الصدقات لأحد إلاَّ لهذه الأصناف الثمانية وذلك مجمع عليه، ويدلُّ على أنَّ كلمة " إنَّما " للحصر؛ لأنها مركبة من " إن " و " ما " ، و " إن " للإثبات و " ما " للنفي، واجتماعهما يوجب بقاءهما على ذلك المفهوم، وكذلك تمسَّك ابنُ عبَّاسٍ في نفي ربا الفضل بقوله عليه الصلاة والسلام " إنَّما الرِّبَا في النَّسيئَةِ " ، وتمسك بعض الصحابة في أن الإكسال لا يوجب الاغتسال بقوله عليه الصلاة والسلام " إنما الماءُ من الماءِ " ، ولولا إفادتها الحصر، لما كان كذلك، وقال تعالىإِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } [النساء:171] فدلَّت على نفي إلهية الغير؛ وقال الأعشى: [السريع]
2802- ولسْتَ بالأكْثَرِ منهُم حَصًى   وإنَّما العِزَّةُ لِلكَاثِرِ
وقال الفرزدق: [الطويل]
2803- أنَا الذَّائدُ الحَامِي الذِّمارَ وإنَّما   يدافعُ عنْ أحسابهِمْ أنَا أوْ مِثْلِي
فدلَّت هذه الوجوه على أنَّ كلمة " إنَّما " للحصر.

وروى زياد بن الحارث الصُّدائي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته فأتاه رجل فقال أعطني من الصَّدقة فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد