الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } * { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ } * { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } * { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ } * { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ }

قوله تعالى: { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ } الآية.

" أنْ تُقْبَلَ " فيه وجهان، أحدهما: أنه مفعول ثانٍ، لـ " مَنَعَ " إمَّا على تقدير إسقاطِ حرف الجر، أي: من أن يقبل، وإمَّا لوصول الفعل إليه بنفسه؛ لأنَّك تقول: منعتُ زيداً حقَّه ومن حقه. والثاني: أنَّهُ بدلٌ من " هم " في: " مَنَعَهُمْ " ، قاله أبو البقاءِ، كأنَّهُ يريد: بدل الاشتمال، ولا حاجة إليه. وفي فاعل " مَنَعَ " وجهان:

أظهرهما: أنَّهُ { إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ } أي: ما منعهم قبول نفقتهم إلاَّ كفرهم.

والثاني: أنَّهُ ضمير الله تعالى: أي وما منعهم الله، ويكون " إِلاَّ أَنَّهُمْ " منصوباً على إسقاط حرف الجر، أي: لأنَّهم كفروا. وقرأ الأخوان " أن يُقْبَلَ " بالياءِ من تحت. والباقون بالتَّاء من فوق. وهما واضحتان، لأنَّ التأنيث مجازي. وقرأ زيد بن علي كالأخوين إلاَّ أنَّه أفرد النفقة. وقرأ الأعرج " تُقبل " بالتاء من فوق، " نَفَقَتهُم " بالإفراد. وقرأ السُّلمي " يَقْبل " مبنياً للفاعل، وهو الله تعالى. وقرىء " نَقْبل " بنون العظمة، " نفقتهم " بالإفراد.

فصل

ظاهر اللفظ يدل على أنَّ منع القبول معلل بمجموع الأمور الثلاثة، وهي الكفر بالله ورسوله، وإتيان الصَّلاة وهم كسالى، والإنفاق على سبيل الكراهية.

ولقائل أن يقول: الكفر بالله سبب مستقل في المنع من القبولِ، فلا يبقى لغيره أثر، فكيف يمكن إسناد الحكم إلى السببين الباقيين؟.

وجوابه: أنَّ هذا الإشكالِ إنما يتوجَّهُ على قول المعتزلةِ، حيث قالوا: إنَّ الكفر لكونه كفراً يؤثر في هذا الحكم، أما عند أهْلِ السُّنَّةِ: فإنَّ شيئاً من الأفعال لا يوجب ثواباً ولا عقاباً وإنَّما هي معرفات، واجتماع المعرفات الكثيرة على الشيء الواحد جائز.

فصل

دلَّت الآية على أنَّ شيئاً من أعمال البر لا يقبل مع الكفر بالله تعالى.

فإن قيل: كيف الجمع بينه وبين قوله:فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } [الزلزلة:7]؟ فالجوابُ: أن يصرف ذلك إلى تأثيره في تخفيف العقابِ، ودلت الآية على أنَّ الصلاة تجب على الكافر، لأنه تعالى ذمَّ الكافر على فعل الصَّلاة على وجه الكسل.

قال الزمخشريُّ " كُسَالَى " بالضمِّ والفتح جمع: " كَسْلان " نحو " سَكَارى ". قال المفسِّرون: معنى هذا الكسل، أنَّهُ إن كان في جماعة صلَّى، وإن كان وحده لم يصلِّ.

وقوله: { وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } أي: لا ينفقون لغرض الطاعة بل رعاية للمصلحة الظاهرة.

قوله تعالى: { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ } الآية.

لمَّا قطع في الآية الأولى رجاء المنافقين عن جميع منافع الآخرة، بيَّن ههنا أنَّ الأشياء التي يظنونها من منافع الدنيا؛ فإنه تعالى جعلها أسباباً لتعذيبهم في الدُّنيا.

السابقالتالي
2 3 4 5