الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } * { إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ } * { قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ } * { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ }

قوله تعالى: { وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي } الآية.

{ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي } كقوله: " يَا صالحُ ائتنا " من أنه يجوزُ تحقيقُ الهمزة، وإبدالها واواً، لضمة ما قبلها، وإن كانت منفصلةً من كلمةٍ أخرى. وهذه الهمزةُ هي فاءُ الكلمة، وقد كان قبلها همزة وصلٍ سقطت درجاً.

قال أبو جعفرٍ " إذا دخلت " الواو " و " الفاء " على " ائذن " فهجاؤها: ألف وذال ونون، بغير ياء. أو " ثم " فالهجاءُ: ألفٌ وياءٌ وذالٌ ونونٌ. والفرق: أنَّ " ثُمَّ " يوقف عليها وينفصل، بخلافهما ".

قال شهابُ الدِّين " يعني إذا دخلت واوُ العطف، أو فاؤه، على هذه اللفظة اشتدَّ اتصالهما بها، فلم يُعْتَدَّ بهمزة الوصل المحذوفة دَرْجاً، فلم يُرْسَمْ لها صورةٌ، فتكتب " فأذَنْ " ، و " أذَنْ " فهذه الألف هي صورة الهمزة، التي هي فاء الكلمة ".

وإذا دخلت عليها " ثم " كُتِبَتْ كذا: ثم ائتُوا، فاعتدُّوا بهمزة الوصل فرسموا لها صورة.

قال شهابُ الدين: وكأنَّ هذا الحُكْمَ الذي ذكره مع " ثم " يختصُّ بهذه اللَّفظة، وإلاَّ فغيرها مما فاؤه همزةٌ، تسقط صورة همزة وصله خطّاً، فيكتب الأمرُ من الإتيان مع " ثم " هكذا: " ثُمَّ أتُوا " ، وكان القياس على " ثُم ائْذَنْ " " ثم ائْتُوا " ، وفيه نظرٌ، وقرأ عيسى بن عمر، وابن السَّميفع، وإسماعيل المكي، فيما روى عنه ابن مجاهد " ولا تُفْتِنِّي " بضم حرف المضارعة، من " أفتنه " رباعياً. قال أبُو حاتم " هي لغة تميمٍ " وقيل: أفتنه: أدخله فيها، وقد جمع الشاعر بين اللغتين، فقال: [الطويل]
2791- لَئِنْ فَتَنَتْني لَهْيَ بالأمْسِ أفْتَنَتْ   سَعِيداً فأمْسَى قَدْ قَلاَ كُلَّ مُسْلِمِ
ومتعلق " الإذن ": القعودُ، أي: ائذن لي في القعود والتخلف عن الغزو، ولا تَفْتِنِّي بخروجي معك. أي: لا تهلكني بخروجي معك، فإنَّ الزمانَ شديد الحرّ، ولا طاقة لي به. وقيل: لا تفتنِّي؛ لأنِّي إذا خرجت معك هلك مالي وعيالي، وقيل: " نزلت في جد بن قيس المنافق وذلك أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا تجهَّز لغزو تبوك، قال له: " يا أبا وهب، هل لك في جلاد بني الأصفر؟ يعني: الروم - تتخذ منهم سراري ووصفاء " فقال جدُّ: يا رسول الله، لقد عرف قومي أني رجل مغرمٌ بالنِّساءِ، وإنِّي أخشى إن رأيت بنات الأصفر ألاَّ أصبر عنهنَّ، ائذن لي في القعود، ولا تفتنِّي بهنّ، وأعينكم بمالي.

قال ابن عباسٍ: " اعتلَّ جدُّ بن قيس، ولم تكن علته إلا النفاق، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: " قد أذنت لك " ، فأنزل الله عز وجل: { وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي } الآية. "


السابقالتالي
2 3 4