الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } * { إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ } * { وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ } * { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } * { لَقَدِ ٱبْتَغَوُاْ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ }

قوله تعالى: { لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } الآية.

أي: لا يستأذنوك في التخلف { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ }.

قوله: " أَن يُجَاهِدُواْ " فيه وجهان:

أظهرهما: أنَّهُ متعلقُ " الاستئذان " ، أي: لا يستأذنوك في الجهادِ، بل يمضُون فيه غير مترددين.

والثاني: أن متعلق " الاستئذان " محذوف و " أن يُجاهدُوا " مفعولٌ من أجله، تقديره: لا يستأذنك المؤمنون في الخروج والقعود كراهة أن يجاهدوا، بل إذا أمرتُهم بشيءٍ بادروا إليه. وقال بعضهم: لا بدّ في الكلام من إضمار آخر؛ لأنَّ ترك استئذان الإمام في الجهادِ غير جائز، فلا بدَّ من إضمار، والتقديرُ: لا يستأذنك هؤلاء في أن لا يجاهدوا، إلاَّ أنَّه حذف حرف النفي كقوله:يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } [النساء:176] ويدلُّ على هذا المحذوف أنَّ ما قبل الآية، وما بعدها يدل على أن هذا الذم إنَّما كان على الاستئذان في القعود.

قوله تعالى: { إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } الآية.

بيَّن أنَّ هذا الاستئذان لا يصدر إلاَّ عند عدم الإيمان باللهِ واليوم الآخر، ولمَّا كان عدم الإيمان قد يكون بسبب الشَّك فيه، وقد يكون بسبب القطع والجزم بعدمه، بيَّن تعالى أنَّ عدم إيمان هؤلاء، إنَّما كان بسبب الشك والريب، فدلَّ على أنَّ الشَّاك المرتاب غير مؤمن بالله وقد تقدَّم الكلام على هذه المسألة في سورة الأنفال عند قوله:أُوْلۤـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } [الأنفال:4] ثم قال: { فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ } أي: متحيرين.

قوله: { وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً }.

قرأ العامة " عُدَّة " بضمِّ العين وتاء التأنيث، وهي الزَّادُ والراحلةُ، وجميعُ ما يحتاج إليه المسافرُ.

وقرأ محمد بنُ عبد الملك بن مروان، وابنه معاوية " عُدَّهُ " كذلك، إلاَّ أنَّهُ جعل مكان تاء التأنيث هاء ضمير غائب، يعود على " الخُرُوجِ ". واختلف في تخريجها، فقيل: أصلها كقراءة الجمهور بتاء التأنيث، ولكنهم يحذفونها للإضافةِ، كالتَّنوين، وجعل الفراء من ذلك قوله تعالى:وَإِقَامَ ٱلصَّلاَة } [الأنبياء:73].

ومنه قول زهير: [البسيط]
2785- إنَّ الخليطَ أجَدُّوا البَيْنَ فانْجَرَدُوا   وأخْلَفُوكَ عِدَ الأمْرِ الذي وعَدُوا
يريد: عدة الأمْرِ.

وقال صاحبُ اللَّوامح " لمَّا أضاف جعل الكناية نائبةً عن التاء، فأسقطها، وذلك لأن العُدَّ بغير تاء، ولا تقديرها، هو " البئرُ الذي يخرج في الوجه ". وقال أبو حاتم: " هو جمع " عُدَّة " ، كـ: " بُرّ " جمع " بُرّة " ، و " دُرّ " جمع " دُرَّة " والوجهُ فيه " عُدَد " ولكن لا يوافق خطَّ المصحف ". وقرأ زر بن حبيش، وعاصم في رواية أبان " عِدَّهُ " بكسر العين، مضافة إلى هاء الكناية.

السابقالتالي
2 3 4 5