الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ }

قوله تعالى: { ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً } الآية.

لمَّا توعد من لا ينفر مع الرسول، أتبعه بهذا الأمر الجزم، فقال: { ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً } نصبهما على الحال من فاعل " انفرُوا ". قال الحسنُ، والضحاكُ، ومجاهد، وقتادة وعكرمة: " شُباناً وشُيوخاً ". وعن ابن عباسٍ: نشاطاً وغير نشاط. وقال عطيةُ العوفي: ركباناً ومشاةً. وقال أبو صالحٍ: " خفافاً من المال، أي: فقراء و " ثقالاً " أي: أغنياء ". وقال ابن زيد " الثقيل: الذي له الضيعة، والخفيف: الذي لا ضيعة له ".

وقيل: " خفافاً " من السلاح أي: مقلين منه، و " ثِقالاً " مستكثرين منه. وقال مرة الهمداني: صحاحاً ومراضاً.

وقال يمان بن رباب " عزاباً ومتأهلين " ، وقيل غير ذلك. والصحيح أنَّ الكلَّ داخل فيه؛ لأنَّ الوصف المذكور وصف كلّي؛ فيدخل فيه كل هذه الجزئيات، فقد روى ابن أم مكتوم أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أعَلَيَّ أنَّ أنفر؟ قال: " ما أنت إلاَّ خفيفٌ أو ثقيلٌ " فرجع إلى أهله ولبس سلاحه، ووقف بين يديه؛ فنزل قوله:لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } [النور:61].

وقال مجاهدٌ: " إنَّ أبا أيُّوب شهد بدراً مع الرسول، ولم يتخلف عن الغزوات مع المسلمين، ويقول قال الله تعالى: { ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً } فلا أجدني إلاَّ خفيفاً أو ثقيلاً ". وعن صفوان بن عمرو قال: كنت والياً على حمص، فلقيت شيخاً قد سقط حاجباه، من أهل دمشق على راحلته يريد الغزو، فقلت: يا عم أنت معذور عند الله، فرفع حاجبيه وقال: يا ابن أخي استنفرنا الله خفافاً وثقالاً، إلا أنَّ من أحبَّه ابتلاه. وعن الزهري: خرج سعيدُ بنُ المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه فقيل له: إنَّك عليل صاحب ضرر، فقال: استنفر الله الخفيف والثقيل، فإن عجزت عن الجهاد كثرت السواد وحفظت المتاع. وقيل للمقداد بن الأسود وهو يريد الغزو أنت معذور، فقال: أنْزلَ اللهُ علينا في سورة براءة: { ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً } [التوبة:41] والقائلون بهذا القول يقولون: إنَّ هذه الآية نسخت بقوله:لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } [النور:61] وبقوله:لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ } [التوبة:91] وقال عطاء الخراساني نسخت بقولهوَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً } [التوبة:122].

ولقائل أن يقول: اتفقوا على أن هذه الآيات نزلت في غزوة تبوك، واتفقوا على أنَّهُ عليه الصَّلاة والسَّلام خلف النساء وخلف من الرجال أقواماً، فدلَّ ذلك على أنَّ هذا الوجوب ليس على الأعيان، بل من فروض الكفايات، فمنْ أمره الرسولُ بالخروج، لزمه خفافاً وثقالاً، ومن أمره بأن يبقى ترك النفير. وحينئذٍ لا حاجة إلى التزام النسخ.

السابقالتالي
2 3 4 5