الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ } * { إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ أَرَضِيتُمْ } الآية. لمَّا ذكر فضائح الكفار عاد إلى التَّرغيب في مقاتلتهم.

قال ابنُ عبَّاس: نزلت هذه الآية في غزوة تبوك، وذلك لأنَّهُ عليه الصلاة والسلام لمَّا رجع من الطائف أقام بالمدينة أمر بجهاد الرُّوم وكان ذلك الوقت زمان شدة الحر، حين طابت ثمار المدينة، واستعظم النَّاسُ غزو الرُّوم وهابوه، وكان ذلك في حر شديد، وسفر بعيد، ومفاوز، وعدُو كثير، وذلك حين طابت ثمار المدينة، وظلالها فأمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، فشقَّ عليهم الخروج، وتثاقلُوا، فنزلت هذه الآية.

ومعنى: " إِذَا قِيلَ لَكُم " أي: قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم " انفِرُوا " اخرجوا، واسم القوم الذين يخرجون النفير.

قوله: " ٱثَّاقَلْتُمْ " أصله " تثَاقلْتُم " فلمَّا أريد الإدغام سكنت الثَّاءُ فاجتلبت همزةُ الوصل كما تقدَّم فيفَٱدَّارَأْتُمْ } [البقرة:72]، والأصل: " تَدَارَأتُم ". وقرأ الأعمشُ " تثاقَلْتُم " بهذا الأصل و " ما " في قوله: " مَا لَكُمْ " استفهامية، وفيها معنى الإنكار.

وقيل: فاعله المحذوف هو الرسول. " اثَّاقَلْتُمْ " ماضي اللَّفظ، مضارع المعنى، أي: تتثاقلون، وهو في موضع الحالِ، وهو عاملٌ في الظَّرف، أي: ما لكم متثاقلين وقت القول.

وقال أبُو البقاءِ: " اثَّاقلتم: ماض بمعنى المضارع أي: ما لكم تتثاقلون، وهو في موضع نصب، أي: أيُّ شيء لكم في التَّثاقل، أو في موضع جر على رأي الخليلِ. وقيل: هو في موضع حال ".

قال أبو حيان: وهذا ليس بجيد؛ لأنه يلزم منه حذفُ " أنْ " لأنه لا ينسبِكُ مصدرٌ إلاَّ من حرف مصدري والفعل وحذفُ " أنْ " في هذا قليلٌ جداً، أو ضرورة. وإذا كان التقديرُ في التثاقل، فلا يمكن عمله في " إذا " لأنَّ معمول المصدر الموصول لا يتقدَّمُ عليه، فيكون النَّاصب لـ " إذا " والمتعلِّق به في التثاقل ما تعلَّق به " لَكُم " الواقعُ خبراً لـ " ما " وقرىء " أثَّاقلْتُم " بالاستفهام الذي معناه الإنكار، وحينئذٍ لا يجوزُ أن يعمل في " إذا "؛ لأنَّ ما بعد حرف الاستفهام لا يعمل فيما قبله، فيكونُ العاملُ في هذا الظَّرف إمَّا الاستقرارُ المقدَّر في " لكم " ، أو مضمرٌ مدلولٌ عليه باللَّفظ، والتقدير: ما تصنعون إذا قيل لكم، وإليه نحا الزمخشري.

والظَّاهر أن يقدَّر: ما لكم تتثاقلون إذا قيل لكم، ليكون مدلولاً عليه من حيث اللفظُ والمعنى.

وقوله: " إِلَى ٱلأَرْضِ " ضُمِّنَ اثَّاقلتم معنى المَيْل والإخلاء، فعدي بـ " إلى " والمعنى: تباطأتم إلى الأرض، أي: لزمتم أرضكم ومساكنكم، وملتم إلى الدنيا وشهواتها، وكرهتم مشاق الجهاد ومتاعبه، ونظيره قوله

السابقالتالي
2 3 4 5 6