الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

قوله تعالى: { إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً } الآية.

" العِدَّة " مصدر بمعنى " العَدَد ". و " عِندَ اللهِ " منصوبٌ به، أي: في حُكْمه. و " اثْنَا عشرَ " خبرُ " إنَّ " ، وقرأ ميسرة عن حفص، وهي قراءةُ أبي جعفر " اثْنَا عَشْرَ " بسكون العين مع ثبوتِ الألف قبلها، واستكرهتْ من حيثُ الجمعُ بين ساكنين على غير حَدَّيْهما، كقولهم: " التقَتْ حَلْقتَا البطانِ " بإثباتِ الألف من " حَلْقتَا ". وقرأ طلحة بسكون الشين كأنه حمل " عشر " في المذكر على " عشرة " في المؤنث، و " شَهْراً " نصب على التمييز، وهو مؤكِّد؛ لأنه قد فُهِم ذلك من الأول، فهو كقولك: عندي من الدَّنانير عشرون ديناراً. والجمعُ متغاير في قوله " عِدَّة الشُّهورِ " وفي قوله تعالى:ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ } [البقرة:197]؛ لأنَّ هذا جمعُ كثرة، وذاك جمعُ قلة.

قوله: { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } يجوزُ أن يكون صفةً لـ " اثْنَا عَشَرَ " ، والتقديرُ: اثنا عشر شهراً مثبتة في كتاب الله. ثمَّ لا يجوزُ أن يعنى بهذا الكتاب كتاب من الكتب، لأنَّه متعلقٌ بقوله: { يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَات } وأسماء الأعيان لا تتعلَّق بالظروفِ، فلا تقول: غلامك يوم الجمعة، بل الكتاب ههنا مصدر والتقدير: إنَّ عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله، أي: في حكمه الواقع يوم خلق السموات والأرض.

ويجوزُ أن يكون بدلاً من الظرفِ قبله، وهذا لا يجوزُ، أو ضعيفٌ، لأنَّه يلزمُ منه أن يخبر عن الموصول قبل تمام صلته، فإنَّ هذا الجارَّ متعلق به على سبيل البدلية، وعلى تقدير صحة ذلك من جهة الصناعة، فكيف يصحُّ من جهة المعنى؟ ولا يجوزُ أن يكون " فِي كتابِ اللهِ " متعلقاً بـ " عِدَّة " لئلاَّ يلزم الفصلُ بين المصدر ومعموله بخبره وقياس مَنْ جوَّز إبداله من الظرف أن يجوِّز هذا، وقد صرَّح بجوازه الحوفيُّ.

قوله: " يَوْمَ خَلَقَ " يجوز فيه أن يتعلَّق بـ " كِتَاب " على أنَّه يُرادُ به المصدر، لا الجثة ويجوزُ أن يتعلَّق بالاستقرار في الجار والمجرور، وهو " في كِتابِ الله " ويكونُ الكتابُ جثةً لا مصدراً، وجوَّز الحوفيُّ أن يكون متعلقاً بـ " عِدَّة " وهو مردودٌ بما تقدَّم، ويجوزُ أن يتعلَّق بفعل مقدر، أي: كتب ذلك يوم خلق.

فصل

هذه الآية أيضاً من شرح قبائح اليهود والنَّصارى والمشركين، وهو إقدامهم على تغيير أحكام الله تعالى؛ لأنَّه تعالى، حكم في كل وقت بحكم خاص، فإذا غَيَّرُوا تلك الأوقات بسبب النَّسيء، كان ذلك سعياً منهم في تغيير حكم السَّنة بحسب أهوائهم وآرائهم فكان ذلك زيادة في كفرهم وجرأتهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6