الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } الآية.

اعلم أنه عليه الصَّلاة والسَّلام، لمَّا أمر عليّاً أن يقرأ على مشركي مكَّة أول سورة براءة، وينبذ إليهم عهدهم، وأنَّ الله بريء من المشركين ورسوله، قال أناس: يا أهل مكَّة ستعلمون ما تلقونه من الشِّدَّة لانقطاع السبل وفقد الحمولات؛ فنزلت هذه الآية، لرفع الشُّبهةِ، وأجاب الله تعالى عنها بقوله: { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } أي: فَقْراً وحاجةً، { فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } قال الأكثرون: لفظ المشركين يتناولُ عبدة الأوثانِ، وقال قومٌ: يتناولُ جميع الكُفَّارِ، وقد تقدم ذلك.

قال الضحاكُ وأبو عبيدةَ: " نَجَسٌ " قذر.

وقيل: خَبِيثٌ، وهو مصدر يستوي فيه الذكر والأنثى، والتثنية والجمع. جعلوا نفس النَّجَس، على المبالغة، أو على حذفِ مضاف.

وقرأ أبو حيوة " نِجْسٌ " بكسر النُّون وسكون الجيم، وجهه أنَّه اسمُ فاعل في الأصلِ على " فَعِل " مثل: " كَتِف وكَبِد " ثم خُفِّف بسكون عَيْنه بعد إتباع فائه، ولا بُدَّ من حذف موصوف حينئذٍ قامَتْ هذه الصفةُ مقامه، أي: فريق نجس، أو جنس نجس، فإذا أفرد قيل " نَجس " بفتح النون.

قال البغوي " ولا يقال على الانفراد، بكسر النُّون وسكون الجيم، إنَّما يقال " رِجْسٌ نِجْسٌ " ، فإذا أفرد قيل " نَجِسٌ " بفتح النون وكسر الجيم " وقرأ ابن السَّميفع " أنْجَاس " بالجمع، وهي تحتمل أن تكون جمع قراءةِ الجمهور، أو جمع قراءةِ أبي حيوة، وأراد به نجاسة الحكم، لا نجاسة العين، سُمُّوا نجساً على الذَّم.

وقال ابنُ عبَّاس وقتادةُ " سماهم نجساً؛ لأنَّهم يجنبون، فلا يغتسلون، ويحدثون فلا يتوضؤون " ونقل الزمخشري عن ابن عباسٍ " أنَّ أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير " وعن الحسنِ " مَنْ صَافحَ مشركاً توضَّأ " وهذا قول الهادي من أئمة الزَّيدية.

وأمَّا الفقهاءُ: فقد اتفقوا على طهارة أبدانهم، وهذا هلاف ظاهر القرآن، فلا يرجع عنه إلا بدليل منفصلٍ، ولا يمكن ادعاء الإجماع فيه لما بينا من الخلاف.

واحتج القاضي على طهارتهم بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من أوانيهم، وأيضاً لو كان نجساً، لما تبدل ذلك بالإسلام، وأجاب القائلون بالنجاسة: بأنَّ القرآن أقوى من خبر الواحد وبتقدير صحَّةِ الخبر؛ يجب أن يعتقد أن حل الشرب من إنائهم كان متقدماً على نزول هذه الآية من وجهين:

الأول: أنَّ هذه السُّورة من آخر ما نزل من القرآن، وأيضاً كانت المخالطة مع الكُفَّار جائزة فحرَّمها الله تعالى، وكانت المعاهدة حاصلة معهم، فأزالها الله؛ فلا يبعد أن يقال أيضاً: الشرب من أوانيهم، كان جائزاً فحرمه اللهُ.

الثاني: أنَّ الأصل حل الشرب من أي إناء كان، فلو قلنا إنه حرم بحكم الآية، ثم حل بحكم الخبرِ، فقد حصل نسخان، أما لو قلنا إنَّه كان حلالاً بحكم الأصل، والرسول شرب من آنيتهم بحكم الأصل، ثم جاء التَّحريمُ بهذه الآيةِ، لم يحصل النَّسخ إلاَّ مرة واحدة؛ فوجب أن يكون هذا أولى.

السابقالتالي
2 3 4 5