الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ } * { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ } * { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

قوله تعالى: { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَآجِّ } الآية.

الجمهور على قراءة " سِقايةَ " ، و " عِمارةَ " مصدرين على " فِعالةٍ " ، كـ: الضِّيافة، والوِقاية والتِّجارة، ولم تقلب الياء همزة، لتَحصُّنها بتاء التأنيث، بخلاف " رِدَاءة، وعِباءة " ، لطروء تاء التأنيث فيهما، قاله الزمخشريُّ. واعلم أنَّ: السِّقاية فعلٌ، وقولهمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ } [التوبة:18] إشارة إلى الفاعل، فظاهر اللفظ يقتضي تشبيه الفعل بالفاعل، والصفة بالموصوف، وإنّه محال، وحينئذ فلا بُدَّ من حذف مضاف، إمَّا من الأول، وإمَّا من الثَّاني، ليتصادق المجعولان، والتقدير: أجعلتم أهل سقايةِ الحاجِّ، وعِمارة المسجد الحرام كمَنْ آمَنَ، أو أجعلتم السقاية والعِمارة كإيمان مَنْ آمَنَ، أو كعملِ من آمَنَ، ونظيره:لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ } [البقرة:177]، وقيل: السِّقاية والعمارة يعني: السَّاقي والعامر، وهذا كقوله:وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ } [طه:132]، أي: للمتقين، والمعنى: أجعلتم ساقي الحاج وعامر المسجد الحرام كـ { كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ }. ويدلُّ عليه قراءة أبي وابن الزبير والباقين كما يأتي قريباً.

وقرأ ابنُ الزُّبير، والباقر، وأبو وجزة " سُقَاة... وعمرة " بضمِّ السين، وبعد الألف تاء التأنيث، و " عَمَرة " بفتح العين والميم دون ألف، وهما جمع " ساقٍ " ، و " عامر " ، كما يقال: قاضٍ وقُضَاة، ورَام ورُمَاة، وبارٌّ وبَرَرة، وفاجِر وفَجَرة.

والأصل: سُقَيَة، فقُلبت الياء ألفاً، لتحركها وانفتاح ما قبلها، ولا حاجة هنا إلى تقدير حذف مضافٍ، وإن احتيج إليه في قراءة الجمهور.

وقرأ سعيد بن جبير كذلك، إلاَّ أنه نصب " المسجِد الحرَام " بـ " عَمَرَة " ، وحذف التنوين لالتقاء الساكنين؛ كقوله: [المتقارب]
2771-...........................   ولا ذَاكِرِ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاَ
وقوله:قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } [الإخلاص:1-2]. وقرأ الضحاك " سُقَاية " ، " عمرة " ، وهما جمعان أيضاً، وفي جمع " ساقٍ " على " فُعَالة " نظرٌ لا يَخْفى، والذي ينبغي أن يقال: أن يُجْعل هذا جمعاً لـ " سِقْي " و " السِّقْي " هو الشيء المَسْقِي كـ " الرِّعْي، والطِّحن ". و " فِعْل " يُجمع على " فُعال " ، قالُوا: ظِئْر وظُؤار، وكان من حقه ألا تدخل عليه تاء التأنيث، كما لم تدخل في: " ظُؤار " ، ولكنه أنَّث الجمع، كما أنَّث في قولهم: " حِجَارة، وفُحولة " ، ولا بُدّ حينئذٍ من تقدير مضافٍ، أي: أجعلتم أصحاب الأشياءِ المَسقيَّة كمَنْ آمَنَ؟.

فصل

روى النُّعْمانُ بنُ بشيرٍ قال: كُنْتُ عِنْدَ منبَرِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال رجلٌ: لا أُبَالِي ألاَّ أعملَ عملاً بعد الإسلام، إلا أن أسقي الحاج، وقال آخر: ما أبالي ألا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام، وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل ممَّا قلتم، فزَجرهُمْ عمرُ وقال: لا تَرفعُوا أصوَاتكُم عندَ مِنبرِ رسُول الله صلى الله عليه وسلم وهُو يَوْمُ الجُمعةِ - ولكنْ إذا صَلَّيتُ دخلتُ واستَفْتيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمَا اختَلَفْتُم فيه، فدخل، فأنزلَ الله عزَّ وجلَّ هذه الآية إلى قوله: { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }.

السابقالتالي
2 3 4