الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ } * { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَٱنْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً } الآية.

قرأ نافع، وابن عامر " الذين اتَّخَذُوا " بغير " واو ". والباقون بواو العطف. فأمَّا قراءةُ نافع وابن عامر فلموافقةِ مصاحفهم، فإنَّ مصاحف المدينة والشَّام حذفت منها الواوُ، وهي ثابتةٌ في مصاحف غيرهم. فمنْ أسقط الواوَ ففيه أوجه:

أحدها: أنَّها بدلٌ من " آخرون " قبلها، وفيه نظر؛ لأنَّ هؤلاء الذين اتَّخَذُوا مسجداً ضراراً، لا يقال في حقِّهم: إنَّهم مُرجَوْن لأمر الله؛ لأنَّهُ رُوي في التفسير أنَّهم من كبار المنافقين، كـ: أبي عامر الرَّاهب.

الثاني: أنَّهُ مبتدأ، وفي خبره حينئذٍ أقوالٌ، أحدها: أنَّهُ " أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ " والعائدُ محذوفٌ تقديره: بنيانه منهم.

الثاني: أنَّهُ " لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُم " قاله النَّحاسُ والحوفيُّ وفيه بعدٌ لطول الفصل.

الثالث: أنه " لا تقُمْ فيهِ " قالهُ الكسائيُّ. قال ابن عطيَّة: " ويتجه بإضمارٍ، إمَّا في أول الآية، وإمَّا في آخرها، بتقدير: لا تقمْ في مسجدهم ".

الرابع: أنَّ الخبر محذوفٌ، تقديره: يعذبون، ونحوه، قاله المهدويُّ.

الوجه الثالث: أنَّه منصوبٌ على الاختصاص، وسيأتي هذا الوجه أيضاً في قراءة الواو.

وأما قراءةُ الواو ففيها ما تقدَّم، إلاَّ أنَّه يمتنع وجه البدل من " آخرون "؛ لأجل العاطف.

وقال الزمخشريُّ: فإن قلت: { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ } ما محلُّه من الإعراب؟ قلتُ: محله النصب على الاختصاص، كقوله تعالى:وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ } [النساء:162]. وقيل: هو مبتدأ، وخبره محذوفٌ، معناه: فيمن وصفنا الذين اتَّخذُوا، كقوله:وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ } [المائدة:38]. يريد على مذهب سيبويه فإنَّ تقديرهُ: فيما يُتْلى عليكم السارق؛ فحذف الخبر، وأبقى المبتدأ، كهذه الآية.

قال القرطبي: { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً } معطوف، أي: ومنهم الذين اتَّخذُوا مسجداً، عطف جملة على جملة.

قوله: " ضِرَاراً " فيه ثلاثةُ أوجهٍ:

أحدها: أنَّهُ مفعولٌ من أجله، أي: مُضَارَّةً لإخوانهم.

الثاني: أنَّهُ مفعولٌ ثان لـ " اتَّخذوا " قاله أبُو البقاءِ.

الثالث: أنَّه مصدر في موضع الحال من فاعل " اتخذوا " ، أي: اتخذوه مضارين لإخوانهم. ويجوزُ أن ينتصبَ على المصدريَّةِ أي: يَضُرُّون بذلك غيرهم ضراراً. ومتعلقاتُ هذه المصادرِ محذوفةٌ، أي: ضراراً لإخوانهم، وكفراً بالله.

فصل

قال ابنُ عباسٍ، ومجاهدٌ، وقتادةُ، وعامة المفسِّرين: الذين اتَّخَذُوا مسجد الضرار كانوا اثني عشر رجلاً من المنافقين، وديعة بن ثابت، وخذام بن خالد ومن داره أخرج هذا المسجد، وثعلبة بن حاطب، وحارثة بن عامرٍ، وابناهُ مجمع وزيدُ بنُ حارثة، ومعتبُ بنُ قشير وعبادُ بنُ حنيفٍ أخو سهل بن حنيفٍ، وأبُو حبيبةَ بن الأزهرِ، ونبتل بن الحارث، وبجاد بن عثمان، ورجل يقال له: بحزَجٌ، بنوا هذا المسجد ضراراً، يعني مضارة للمؤمنين، والضرار: محاولة الضّر، كما أنَّ الشقاقَ محاولة ما يشُق.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد