الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَاتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قوله: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } قال الحسنُ: هذا راجع إلى الذين تابُوا؛ لأنهم بذلُوا أموالهم للصَّدقة؛ فأوجب الله تعالى أخذها، وصار ذلك معتبراً في كمال توبتهم، فتكون جارية مجرى الكفارة. وليس المراد منها الصدقة الواجبة، وإنَّما هي كفارة الذنبِ. وهذا بناء على القول بأنَّهُم ليسوا منافقين، ويدلُّ عليه قوله عليه الصلاة والسلام: " ما أمرتُ أن آخُذَ مِنْ أموالكُمْ شَيْئاً " فلو كانت واجبة لم يقل ذلك. وأيضاً روي أنه عليه الصلاة والسلام: أخذ الثلث وترك الثلثين. والواجبةُ ليست كذلك. وقيل: إنَّ الزكاة كانت واجبة عليهم، فلمَّا تابُوا عن تخلفهم عن الغزوِ، وحسن إسلامهم، وبذلوا الزكوات أمر الله رسوله أن يأخذها منهم. وهذا بناء على أنَّهم كانوا منافقين.

وقيل: هذا كلام مبتدأ، والمقصود منه إيجاب أخذ الزَّكاة من الأغنياء، وعليه أكثر الفقهاء، واستدلُّوا بقوله { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً }. فدلَّ على أنَّ المأخوذَ بعض تلك الأموال لا كلها؛ لأنَّ " مِنْ " للتبعيض، ثم إن مقدار ذلك البعض غير مصرّح به، بل المصرح به قوله: " صدقَة " ، وليس المراد منه التنكير حتى يكفي أخذ أيّ جزء كان، وإن كان في غاية القلَّة مثل الحبَّة الواحدة من الحنطة، أو الجزء الحقير من الذَّهبِ، فوجب أن يكون المراد منه صدقة معلومة الصفة والكيفيَّة والكمية عندهم، حتى يكون قوله: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } [التوبة:103] أمراً بأخذ تلك الصَّدقة المعلومة، لكي يزول الإجمالُ. وليست إلاَّ الصدقة التي وصفها رسُول الله صلى الله عليه وسلم في أن يأخذ في خمس وعشرين بنت مخاض، وفي ست وثلاثين بنت لبون، إلى غير ذلك، وأجاب الأوَّلُون بأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بيَّنها بأخذ الثلث فزال الإجمال، وظهر تعلق الآية بما قبلها، وعلى قولكم لا يظهر تعلق الآية بما قبلها.

قوله: {.. مِنْ أَمْوَالِهِمْ.. } يجوزُ فيه وجهان:

أحدهما: أنه متعلقٌ بـ " خُذْ " ، و " مِنْ " تبعيضية.

والثاني: أن تتعلَّق بمحذوفٍ؛ لأنَّها حالٌ من " صدقةً " ، إذ هي في الأصل صفةٌ لها، فلمَّا قُدِّمت نُصبَتْ حالاً. والصَّدقة: مأخوذة من الصِّدْقِ، وهي دليل على صحَّة إيمانه، وصدق باطنه مع ظاهره، وأنَّهُ ليس من المنافقين الذين يَلْمِزُون المُطَّوعين من المُؤمنينَ في الصَّدقاتِ.

قوله: { تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ } يجوزُ أن تكون التَّاء في " تُطَهِّرُهمْ " خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم، وأن تكون للتنبيه، والفاعل ضمير الصدقة، فعلى الأوَّل تكون الجملةُ في محلِّ نصبٍ على الحال من فاعل " خُذْ ". ويجوز أن تكون صفةً لـ " صَدقَةً " ، ولا بدَّ حينئذ من حذف عائد، تقديره: تُطهِّرُهُم بها، وحذف " بها " ، لدلالة ما بعده عليه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8