قوله: { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ }. قرأ العامة: " يا أيَّتُها النَّفسُ " بتاء التأنيث. وقرأ زيد بن علي: " يا أيُّهَا " ، كنداء المذكر، ولم يجوز ذلك أحد، إلا صاحب البديع، وهذه شاهدة له، وله وجه: وهو أنها كما لم تطابق صفتها تثنية وجمعاً، جاز ألاَّ يطابقها تأنيثاً، تقول: يا أيها الرجلان، يا أيها الرجل. فصل في الكلام على الآية لما وصف حال من اطمأن إلى الدُّنيا، وصف حال من اطمأنَّ إلى معرفته وعبوديته، وسلم أمره إلى الله - تعالى -. وقيل: هذا كلام الباري تعالى، إكراماً له كما كلَّم موسى عليه السلام. وقيل: هو من قول الملائكة لأولياء الله تعالى. قال مجاهد وغيره: " المُطْمئنَّة ": الساكنة الموقنة، أيقنت أن الله تعالى ربها، فأجيبت لذلك. وقال ابنُ عبَّاسٍ: المطمئنة بثواب الله، وعن الحسن - رضي الله عنه -: المؤمنة الموقنة. وعن مجاهدٍ أيضاً: الراضية بقضاءِ الله. وقال مقاتلٌ: الآمنة من عذاب الله تعالى. وفي حرف أبي كعب: " يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة ". وقيل: التي عملت على يقين بما وعد الله تعالى، في كتابه. وقال ابن كيسان: المطمئنة - هنا -: المخلصة وقيل: المطمئنة بذكر الله تعالى؛ لقوله تعالى:{ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } [الرعد: 28] وقيل: المطمئنة بالإيمان، المصدقة بالبعث والثواب. وقال ابن زيدٍ: المطمئنة، التي بشرت بالجنة، عند الموت، أو عند البعث، ويوم الجمع. قوله: { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } ، أي: ارجعي إلى صاحبك، وجسدك. قاله ابنُ عبَّاسٍ وعكرمةُ وعطاءٌ، واختاره الكلبيُّ، يدل عليه قراءة ابن عباس: " فادخُلِي في عَبْدِي " ، على التوحيد. وقال الحسنُ: ارجعي إلى ثواب ربك. وقال أبو صالح: ارجعي إلى الله، وهذا عند الموت. وقوله تعالى: { رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } حالان، أي: جامعة بين الوصفين؛ لأنه لا يلزم من أحدهما الآخر، والمعنى: راضية بالثواب، مرضية عنك في الأعمال، التي عملتها في الدنيا. فصل في مجيء الأمر بمعنى الخبر قال القفَّال: هذا وإن كان أمراً في الظَّاهر، فهو خبر في المعنى، والتقدير: أن النفس إن كانت مطمئنة رجعت إلى الله تعالى، وقال الله تعالى لها: { فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي وَٱدْخُلِي جَنَّتِي } ، قال: ويجيء الأمر بمعنى الخبر كثيراً في كلامهم، كقوله: " إذا لَمْ تَسْتَحِ فَافْعَل مَا شِئْت ". فصل في فضل هذه الآية قال سعيد بن زيد: " قرأ رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أيَّتُها النَّفسُ " ، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: مَا أحْسنَ هَذَا يَا رسُولَ اللهِ، فقَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلَّم: " إنَّ المَلكَ سيقُولُهَا لَكَ يَا أبَا بَكرٍ " ".