الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } * { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } * { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } * { يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } * { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } * { وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ }

قوله: { كَلاَّ }: ردعٌ لهم عن ذلك، وإنكار لفعلهم، أي: ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر، فهو ردع لانكبابهم على الدنيا وجمعهم لها.

قوله: { إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً }. في " دكّاً " وجهان:

أحدهما: أنه مصدر مؤكد، و " دَكًّا " الثاني: تأكيد للأول، تأكيداً لفظياً. كذا قاله ابن عصفورٍ وليس المعنى على ذلك.

والثاني: أنه نُصِبَ على الحال، والمعنى: مكرراً عليها الدَّكُّ، كـ " علمته الحساب باباً باباً " ، وهذا ظاهر قول الزمخشري.

وكذلك: " صفًّا صفًّا " حال أيضاً، أي: مصطفين، أو ذوي صفوف كثيرة.

قال الخليل: الدَّكُّ: كسر الحائط والجبل والدكداك: رمل متلبّد. ورجل مدك: أي شديد الوطء على الأرض. [فمعنى الدك على قول الخليل: كسر شيء على وجه الأرض من جبل أو حجر حين زلزلت فلم يبق على شيء].

وقال المبرد: الدَّكُّ: حطُّ المرتفع من الأرض بالبسط، واندك سنام البعير: إذا انفرش في ظهره، وناقة دكاء كذلك، ومنه الدكان لاستوائه في الانفراش، فمعنى الدك على قول الخليل: كسر الشيء على وجه الأرض من جبل أو حجر حين زلزلت، فلم يبق على ظهرها شيء، وعلى قول المبرد، معناه: أنها استوت في الانفراش، فذهب دورها، وقصورها، حتى صارت كالصخرة الملساء، وهذا معنى قول ابن عباس، وابن مسعود رضي الله عنهم: تمد الأرض يوم القيامة مد الأديم.

قال ابنُ الخطيبِ: وهذا التَّدكُّكُ لا بد وأن يكون متأخراً عن الزلزلة [فإذا زلزلت الأرض زلزلة] بعد زلزلة، فتكسر الجبال، وتنهدم، وتمتلئ الأغوار، وتصير ملساء، وذلك عند انقضاء الدنيا.

قوله: { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً }. أي: جاء أمره وقضاؤه. قاله الحسن، وهو من باب حذف المضاف.

وقيل: جاءهم الربُّ بالآيات، كقوله تعالى:إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ } [البقرة: 210] أي بظلل.

وقيل: جعل مجيء الآيات مجيئاً له، تفخيماً لشأن تلك الآيات، كقوله تعالى في الحديث: " يَا ابْنَ آدم مَرضتُ فلمْ تعُدِنِي، واسْتسْقَيتُكَ فَلمْ تَسقِنِي واسْتطعَمْتُكَ فَلمْ تُطْعمْنِي ".

وقيل: زالت الشبه، وارتفعت الشكوك، وصارت المعارف ضرورية، كما تزول الشبه والشكوك عند مجيء الشيء الذي كان يشك فيه [وقيل وجاء قهر ربك، كما تقول جاءتنا بنو أمية، أي: قهرهم.

قال أهل الإشارة: ظهرت قدرته واستوت، والله - سبحانه وتعالى - لم يوصف بالتحول من مكان إلى مكان، وأنَّى له التحول والانتقال، ولا مكان ولا أوان، ولا يجري عليه وقت ولا زمان؛ لأن في جريان الوقت على الشيء فوات الأوقات، ومن فاته الشيء، فهو عاجز.

وأما قوله تعالى: { وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } أي: والملائكة صفاً بعد صفٍّ متحلِّقين بالجن والإنس].

قوله: { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ }.

" يومئذ ": منصوب بـ " جيء " ، والقائم مقام الفاعل: " بجهنم " وحوز مكيٍّ: أن يكون " يومئذ ": قائم مقام الفاعل.

السابقالتالي
2 3