الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ } * { وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } * { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً } * { وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً }

قوله تعالى: { كَلاَّ }: ردعٌ للإنسان عن تلك المقالة.

قال ابنُ عباسٍ - رضي الله عنهما - المعنى: لم أبتله بالغنى، لكرامته عليّ، ولم أبتله بالفقرِ، لهوانه عليّ، بل ذلك لمحضِ القضاء والقدر، والمشيئة والحكم المنزه عن التعليل، وهذا مذهب أهل السنة، وأما على مذهب المعتزلة: فلمصالح خفيَّة، لا يطلع عليها إلا هو - سبحانه - فقد يوسع على الكافر لا لكرامته، ويقتر على المؤمن لا لهوانه.

قال الفراء في هذا الموضع: يعني: لم يكن للعبد أن يكون هكذا، ولكن يحمد الله - تعالى - على الغنى والفقر.

قوله: { بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ }. قرأ أبو عمرو: " يكرمون " ، وما بعده بياء الغيبة، حملاً على معنى الإنسان المتقدم، إذا المراد به الجنس، والجنس في معنى: الجمع.

والباقون: بالتاء في الجميع، خطاباً للإنسان المراد به الجنس، على طريقة الالتفات.

فصل فيمن نزلت فيه الآية

لما حكى قولهم، فكأنه قال: لهم فعل أشر من هذا القول، وهو أن الله - تعالى - يكرمهم بكثرة المال، فلا يؤدون ما يلزمهم من إكرام اليتيم، فقرعهم بذلك، ووبخهم. وترك إكرام اليتيم بدفعه عن حقه، وأكل ماله.

وقال مقاتلٌ: نزلت في قدامة بن مظعونٍ، وكان يتيماً في حجر أمية بن خلف، وكان يدفعه عن حقه.

قوله: { وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ }.

قرأ الكوفيون: " ولا تحاضون " ، والأصل: تتحاضون، فحذف إحدى التاءين، أي: لا يحض بعضكم بعضاً.

وروي عن الكسائي: " تُحاضُّون " بضم التاء، وهي قراءة زيد بن علي وعلقمة، أي: تحاضون أنفسكم.

والباقون: " تَحُضُّون " من حضَّه على كذا، أي: أغراه به، ومفعوله محذوف، أي: لا تحضون أنفسكم ولا غيرها، ويجوز ألاَّ يقدر، أي: لا يوقعون الحضّ.

قوله: " عَلى طعامِ ": متعلق بـ " تحضون " ، و " طَعَام ": يجوز أن يكون على أصله من كونه اسماً للمطعوم، ويكون على حذف مضاف، أي: على بذل، أو إعطاء طعام، وأن يكون اسم مصدر بمعنى: الإطعام كالعطاء بمعنى الإعطاء، فلا حذف حينئذ.

فصل في ترك إكرام اليتيم

اعلم أن ترك إكرام اليتيم على وجوه:

أحدها: ترك بره وإليه الإشارة بقوله تعالى: { وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ }.

والثاني: دفعه عن حقه، وأكل ماله، وإليه الإشارة بقوله تعالى: { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً }.

قوله: { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً } التاء في " التُّراثَ ": بدل من الواو؛ لأنه من الوراثة ومثله: تولج، وتوراة، وتخمة وقد تقدم كما قالوا: تجاه، وتخمة، وتكأة، وتؤدة، ونحو ذلك.

والتراث: ميراث اليتامى، وقوله تعالى: { أَكْلاً لَّمّاً } ، اللَّمم: الجمع الشديد، يقال: لممت الشيء لماً، أي: جمعته جمعاً.

السابقالتالي
2