الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ } * { لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ } * { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } * { لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } * { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } * { فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ } * { وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ } * { وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ } * { وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ }

قوله: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ }. أي: ذات نعمة، وهي وجوه المؤمنين، نعمت بما عاينت من عاقبة أمرها.

وقيل: ذات بهجة وحسن، لقوله تعالى:تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } [المطففين: 24]، أي: متنعمة " لِسَعْيهَا " ، أي: لعملها الذي عملته في الدنيا " راضيةٌ " في الآخرة حين أعطيت الجنة بعملها، وفيها واو مضمرة، والتقدير: ووجوه يومئذ، ليفصل بينها، وبين الوجوه المتقدمة، والوجوه عبارة عن الأنفس.

{ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } أي: مرتفعة؛ لأنها فوق السماوات.

وقيل: عالية القدر، لأن فيها ما تشتهي الأنفس وتلذُّ الأعين.

قوله: { لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً }.

قرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرو: بالياء من تحت مضمومة؛ على ما لم يسم فاعله، " لاغية " رفعاً لقيامه الفاعل.

وقرأ نافع كذلك إلا أنه بالتاء من فوق، والتذكير والتأنيث واضحان؛ لأن التأنيث مجازي.

وقرأ الباقون: بفتح التاء من فوق، ونصب: " لاغية " ، فيجوز أن تكون التاء للخطاب، أي: لا تسمع أنت، وأن تكون للتأنيث، أي: لا تسمع الوجوه.

وقرأ الفضلُ والجحدري: " لا يَسْمَعُ " بياء الغيبة مفتوحة " لاغيةً " نصباً، أي: لا يسمع فيها أحد.

و " لاغية " يجوز أن تكون صفة لكلمة على معنى: النسب، أي: ذات لغو، أو على إسناد اللغو إليها مجازاً، وأن تكون صفة لجماعة: أي: جماعة لاغية، وأن تكون مصدراً، كالعافية والعاقبة، كقوله:لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً } [الواقعة: 25]، واللَّغْوُ: اللَّغَا واللاغية بمعنى واحد؛ قال الشاعر: [الرجز]
5185- عَـنِ اللَّغَـا ورفَـثِ التَّكـلُّـمِ   
قال الفراء والأخفش: أي: لا تسمع فيها كلمة لغوٍ.

والمراد باللغو: ستة أوجه:

أحدها: كذباً وبهتاناً وكفراً بالله عز وجل، قاله ابن عباس.

الثاني: لا باطل ولا إثم، قاله قتادة.

الثالث: أنه الشتم، قاله مجاهد.

الرابع: المعصية، قاله الحسن.

الخامس: لا يسمع فيها حالف يحلف بكذب، قاله الفراء.

وقال الكلبي: لا يسمع في الجنة حالف بيمين برّة ولا فاجرة.

السادس: لا يسمع في كرمهم كلمة لغوٍ؛ لأن أهل الجنَّة لا يتكلمون إلا بالحكمة، وحمد الله على ما رزقهم من النعيم الدائم. قاله الفراء، وهو أحسن الأقوال، قاله القفال والزجاج.

قوله: { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ }. أي: بماء مندفق، وأنواع الأشربة اللذيذة على وجه الأرض من غير أخدود.

قال الزمخشريُّ: يريد عيوناً في غاية الكثرة، كقوله تعالى:عَلِمَتْ نَفْسٌ } [الانفطار: 5].

قوله: { فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ } ، أي: عالية في الهواء.

{ وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ } والأكواب: الكيزان التي لا عُرى لها، والإبريق: هو ما له عروةٌ وخرطوم، والكوب: ما ليس له عروةٌ وخرطوم.

وقوله: { مَّوْضُوعَةٌ } أي: معدة لأهلها.

وقيل: موضوعة على حافات العين الجارية.

وقيل: موضوعة بين أيديهم لاستحسانهم إياها، لكونها من ذهب، وفضة، وجوهر، وتلذذهم بالشرب منها.

السابقالتالي
2