الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ } * { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ } * { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } * { تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً } * { تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } * { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } * { لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ }

قوله تعالى: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ }. " هل " بمعنى: " قد " ، كقوله تعالى:هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ } [الإنسان: 1] قاله قطرب، أي: قد جاءك يا محمد حديث الغاشية، وهي القيامة؛ لأنها تغشى الخلائق بأهوالها.

وقيل: هو استفهام على بابه، ويسميه أهل البيان: التسويف، والمعنى: إن لم يكن أتاك حديث الغاشية فقد أتاك، وهو معنى قول الكلبيِّ.

وقال سعيدُ بن جبيرٍ، ومحمد بن كعبٍ: الغاشية: النار تغشى وجوه الكفار، ورواه أبو صالح عن ابن عباس لقوله تعالى:وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمْ ٱلنَّارُ } [إبراهيم: 50].

وقيل: المراد النفخة الثانية للبعث؛ لأنها تغشى الخلق.

وقيل: الغاشية أهل النار يغشونها، ويقحمون فيها.

وقيل: معنى " هَل أتاكَ " أي: هذا لم يكن في علمك، ولا في علم قومك، قاله ابن عباس أي: لم يكن أتاه قبل ذلك على التفصيل المذكور.

قوله: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ }. قد تقدَّم نظيره في سورة " القيامةِ " ، وفي " النازعات " ، والتنوين في " يومئذ "؛ عوض من جملة، مدلول عليها باسم الفاعل من " الغاشية " ، تقديره: يومئذ غشيت الناس؛ إذ لا تتقدم جملة مصرح بها، و " خاشعة " وما بعدها صفة.

فصل في تفسير الآية

قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: لم يكن أتاه حديثهم، فأخبره عنهم، فقال تعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ } أي: يوم القيامة، { خَاشِعَةٌ }.

قال سفيان: أي: ذليلةٌ بالعذاب، وكل متضائل ساكن خاشع.

يقال: خشع في صلاته إذا تذلل ونكس رأسه، وخشع الصوت: إذا خفي، قال تعالى:وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ } [طه: 108].

[والمراد بالوجوه أصحاب الوجوه.

قال قتادة وابن زيد: خاشعة أي في النار، والمراد بالوجوه وجوه الكفار كلهم قاله يحيى بن سلام. وقال ابن عباس: أراد وجوه اليهود والنصارى].

قوله تعالى: { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } هذا في الدنيا؛ لأن الآخرة ليست دار عمل، فالمعنى: وجوه عاملة ناصبة في الدنيا خاشعة في الآخرة.

قال أهل اللغة: يقال للرجل إذا دأب في سيره: قد عمل يعمل عملاً، ويقال للسحاب إذا دام برقُه: قد عمل يعمل عملاً.

وقوله: " ناصبةٌ " أي: تعبةٌ، يقال: نَصِبَ - بالكسر - ينصبُ نصَباً: إذا تعب ونَصْباً أيضاً، وأنصبه غيره.

قال ابنُ عباسٍ: هم الذين أنصبوا أنفسهم في الدنيا على معصية الله تعالى، وعلى الكفر مثل عبدة الأوثان، والرهبان، وغيرهم، ولا يقبل الله - تعالى - منهم إلاَّ ما كان خالصاً له.

وعن علي - رضي الله عنه - أنهم الخوارج الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " تُحقِّرُونَ صَلاتكُمْ مَعَ صَلاتهِمْ، وصِيامَكُمْ مَعَ صِيَامهِمْ، وأعْمالَكُمْ مَعَ أعْمَالهِمْ، يَمرقُونَ من الدِّينِ كما يَمْرقُ السَّهْمُ من الرميّّة "

السابقالتالي
2 3 4 5