الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ } * { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ } * { وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلأَشْقَى } * { ٱلَّذِى يَصْلَى ٱلنَّارَ ٱلْكُبْرَىٰ } * { ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا } * { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } * { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ }

قوله: { فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ }. أي: فعظ قومك يا محمد بالقرآن { إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ } أي: الموعظة، و " إن " شرطية، وفيه استبعاد لتذكرهم؛ ومنه قوله: [الوافر]
5180- لَقدْ أسْمعْتَ لوْ نَاديْتَ حَيًّا   ولكِنْ لا حَياةَ لِمَنْ تُنَادِي
وقيل: " إن " بمعنى: " إذا " كقوله:وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [آل عمران: 139] أي: إذا كنتم مؤمنين.

وقيل: هي بمعنى: " قد " ذكره ابن خالويه, وهو بعيد.

وقيل: بعده شيء محذوف، تقديره: إن نفعت الذكرى، وإن لم تنفع، كقوله:سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [النحل: 81]، قاله الفراء والنحاس والجرجاني والزهراوي.

وقيل: إنه مخصوصٌ في قوم بأعيانهم.

وقيل: " إن " بمعنى: " ما " أي: فذكر ما نفعت الذِّكرى، فتكون " إن " بمعنى: " ما " لا بمعنى: الشرط؛ لأن الذكرى نافعة بكل حال. قاله ابن شجرة.

فصل في فائدة هذا الشرط

قال ابنُ الخطيب: إنه صلى الله كان مبعوثاً إلى الكل، فيجب عليه تذكيرهم سواء إن نفعت الذكرى، أو لم تنفعهم، فما فائدة هذا الشرط، وهو قوله: { إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ } والجواب من وجوه: إمَّا أن يكون المراد: التنبيه على أشرف الحالين، وهو وجود النفع الذي لأجله شرعت الذكرى، قال: والمعلق بـ " إن " على الشيء لا يلزمُ أن يكون عدماً عند عدم ذلك الشيء، ويدل عليه آيات منها هذه الآية، ومنها قوله تعالى:وَٱشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } [البقرة: 172]، ومنها قوله تعالى:فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ } [النساء: 101]، فإن القصر جائز عند الخوف وعدمه، ومنها قوله تعالى:فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } [البقرة: 230]، والمراجعة جائزة بدون هذا الظنِّ، وإن كان كذلك، فهذا الشرط فيه فوائد منها ما تقدم، ومنها: تعقل، وهو تنبيه للنبي صلى الله عليه وسلم على أنهم لا تنفعهم الذكرى، أو يكون هذا في تكرير الدعوة، فأما الدعاء الأول فعام.

فإن قيل: الله - تعالى - عالم بعواقب الأمور بمن يؤمن، ومن لا يؤمن، والتعليق بالشرط، إنما يحسن في حق من ليس بعالم.

فالجواب: أن أمر البعثة والدعوة شيء، وعلمه تعالى بالمغيبات، وعواقب الأمور غيره، ولا يمكن بناء أحدهما على الآخر، كقوله تعالى لموسى وهارون - عليهما الصلاة والسلام -:فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } [طه: 44]، وهو تعالى عالم بأنه لا يتذكر ولا يخشى.

فإن قيل: التذكير المأمور به، هل هو مضبوط بعدد أو لا؟ وكيف يكون الخروج عن عهدة التذكير؟.

والجواب أن المعتبر في التذكير والتكرير هو العرف.

قوله: { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ } ، أي: يتّقي الله ويخافه. قال ابن عباس - رضي الله عنهما - نزلت في ابن أم مكتوم.

السابقالتالي
2 3