الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ } * { خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } * { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } * { إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ } * { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } * { فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ }

قوله: { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ } ، أي: ابن آدم، " مَمَّ خُلِقَ " ، وجه الاتصال بما قبله وصية الإنسان بالنظر في أول أمره حتى يعلم أنَّ من أنشأه قادر على إعادته وجزائه، فليعمل ليوم الإعادة والحشر والجزاء، ولا يملي على الحافظ إلا ما يسرُّه في عاقبه أمره.

وقوله تعالى: { مِمَّ خُلِقَ } ، استفهام، أي: من أيِّ شيء خلق، وهو جواب الاستفهام.

قوله: { مِن مَّآءٍ دَافِقٍ }. فاعل بمعنى مفعول [كعكسه في قولهم: سيل مفعم]، كقوله تعالى:حِجَاباً مَّسْتُوراً } [الإسراء: 45] على وجه.

وقيل: " دافِق " على النسب، أي: ذو دفق أو اندفاقٍ.

وقال ابنُ عطية: يصح أن يكون الماء دافقاً؛ لأن بعضه يدفق بعضاً، أي: يدفقه، فمنه دافق، ومنه مدفوق انتهى.

والدَّفقُ: الصَّبُّ، ففعله متعدٍّ.

وقرأ زيد بن علي: " مَدْفُوقٍ " وكأنَّه فسر المعنى.

قال القرطبيُّ: الصبُّ: دفقُ الماء، دفقت الماء، أدفقُه دفقاً، أي: صببته فهو ماء دافق، أي: مدفوق، كما قالوا: سرٌّ كاتم، أي: مكتوم؛ لأنه من قولك: دُفق الماء على ما لم يسم فاعله، ولا يقال: دَفق الماء، ويقال: دفق الله روحه: إذا دعى عليه بالموت.

قال الفرَّاء والأخفش: " ماءٍ دافقٍ ": أي مصبوب في الرَّحمِ.

وقال الزجاج: " مِن ماءٍ ذي انْدفاقٍ " ، يقال: دَارع، وفَارِس، ونَابِل، أي ذو فَرسٍ ودِرعٍ ونَبلٍ، وهذا مذهب سيبويه.

والدَّافق: هو المندفق بشدة قوته، وأراد ماءين: ماء الرجل وماء المرأة؛ لأن الإنسان مخلوق منهما، لكن جعلهما ماءً واحداً لامتزاجهما.

وقال ابن عباس: " دافق " لزج.

قوله: { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } ، أي: هذا الماء من بين الصلب، أي: الظَّهر وقرأ العامة: " يَخْرجُ " مبنياً للفاعل، وابنُ أبي عبلة وابن مقسم: مبنياً للمفعول. وقرأ - أيضاً -: وأهل " مكة ": " الصُّلُبِ " بضم الصاد واللام.

وقرأ اليماني: بفتحها؛ ومنه قول العجَّاج: [الرجز]
5163- فِـي صَلـبٍ مِثـلِ العِنـانِ المُـؤدَمِ   
[وفيه أربع لغات: " صُلْب، وصُلُبٌ، وصَلَبٌ، وصَالب، ومنه قوله]: [المنسرح]
5164- تُنْقَـلُ مـن صَالَـبٍ إلـى رحِـمٍ   ..................................
والترائب: جميع تريبة، وهي موضع القلادة من عظام الصَّدر؛ لأن الولدَ مخلوق من مائهما؛ فماء الرجل في صلبه، وماء المرأة في ترائبها، وهو معنى قوله تعالى:مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } [الإنسان: 2]؛ وقال امرؤ القيس: [الطويل]
5165- مُهْفَهَفةٌ بَيْضاءُ غَيْرُ مُفاضَةٍ   تَرَائِبُها مَصْقُولةٌ كالسَّجَنْجَلِ
وقال آخر: [الكامل]
5166- والـزَّعْـفـرَانُ علـى تَرائِبهَـا   شَـرِقٌ بِـهِ اللّبَّـاتُ والنَّـحـرُ
وقال المثقب العبديُّ: [الوافر]
5167- ومنْ ذَهَبٍ يَلوحُ عَلى تَريبٍ   كَلوْنِ العَاجِ لَيْسَ لَهُ غُضُونُ
وقال الشاعر: [الرجز]
5168- أشْـرَفَ ثَدْيَـاهَـا علـى التَّـريـبِ   
وعن ابن عباسٍ وعكرمة: الترائب: ما بين ثدييها.

وقيل: التَّرائب: التراقي.

وقيل: أضلاع الرجل التي أسفل الصلب.

وحكى الزجاجُ: أن الترائب أربعة أضلاع من يمنة الصدر، وأربعة أضلاع من يسرة الصدر.

السابقالتالي
2 3