الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ } * { وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } * { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ } * { وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ } * { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً } * { وَأَكِيدُ كَيْداً } * { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً }

قوله: { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ }.

قيل: الرَّجْعُ: مصدر، بمعنى رجوع الشمس والقمر إليها، والنجوم تطلع من ناحيته، وتغيب في أخرى.

وقيل: الرَّجْعُ: المطر؛ قال: المتنخِّل، يصف سيفاً يشبههُ بالماء: [السريع]
5170- أبْيَضُ كالرَّجْعِ رَسُـوبٌ إذَا   مـا ثَـاخَ فـي مُحْتـفـلٍ يَخْتَـلِـي
وقال: [البسيط]
5171- رَبَّاءُ شَمَّاءُ لا يَأوِي لقُلَّتِهَا   إلاَّ السَّحَابُ وإلاَّ الأوبُ والسَّبلُ
وقال الخليل: المطر نفسه، وهذا قول الزجاج.

قال ابن الخطيب: واعلم أن كلام الزجاج، وسائر علماء اللغة " صريح " في أن الرجع ليس اسماً موضوعاً للمطر، بل سمي رجعاً مجازاً، وحسن هذا المجاز وجوه:

أحدها: قال القفال: كأنه من ترجيع الصوت وهو إعادته، ووصل الحروف به، وكذا المطر، لكونه يعود مرة بعد أخرى سمِّي رجعاً.

وثانيها: أن العرب كانوا يزعمون أنَّ السَّحاب يحمل الماء من بحار الأرض، ثم يرجعه إلى الأرض.

والرجع - أيضاً - نبات الربيع.

وقيل: " ذَاتِ الرَّجْعِ " أي: ذات النفع.

وقيل: ذات الملائكة، لرجوعهم فيها بأعمال العباد، وهذا قسم.

{ وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } قسمٌ آخر، أي: تتصدع عن النبات، والشجر، والثمار، والأنهار، نظيره:ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً } [عبس: 26].

والصَّدعُ: بمعنى الشق؛ لأنه يصدع الأرض، فتصدع به، وكأنَّه قال: والأرض ذات النبات الصادع للأرض.

وقال مجاهد: الأرض ذات الطريق التي تصدعها المشاة.

وقيل: ذات الحرث لأنه يصدعها.

وقيل: ذات الأموات لانصداعها للنشور.

وقيل: هما الجبلان بينهما شق وطريق نافذ لقوله تعالى:وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً } [الأنبياء: 31].

قال ابن الخطيب: واعلم أنَّه تعالى، كما جعل كيفية خلقه الحيوان دليلاً على معرفة المبدأ والمعاد، ذكر في هذا القسم كيفية خلقه النبات.

فقال تعالى: { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ } أي: كالأب، " والأرض ذات الصدع " كالأم، وكلاهما من النعم العظام؛ لأن نعم الدنيا موقوفة على ما ينزل من السماء متكرراً، وعلى ما ينبت من الأرض كذلك، ثم أردف هذا القسم بالمقسم عليه، وهو قوله تعالى: { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ }. وهذا جواب القسم، والضمير في " إنَّه " للقرآن، أي: إن القرآن يفصل بين الحق والباطل.

وقال القفالُ: يعود إلى الكلام المتقدم والمعنى: ما أخبرتكم به من قدرتي على إحيائكم يوم تبلى سرائركم قول فصل، وحق، والفصل: الحكم الذي ينفصل به الحق عن الباطل، ومنه فصل الخصومات، وهو قطعها بالحكم الجزم، [ويقال: هذا قول فصل قاطع للشر والنزاع.

وقيل: معناه جد] لقوله: { وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ }. أي: باللعب، والهزل: ضد الجد والتشمير في الأمر، يقال: هزل يهزل.

قال الكميتُ: [الطويل]
5172- تَجُدُّ بِنَا فِي كُلِّ يَومٍ وتهْزِلُ   
قوله: { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً } ، أي: أنَّ أعداء الله يكيدون كيداً، أي: يمكرون بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكراً.

قيل: الكَيْدُ: إلقاء الشبهات، كقولهم:إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا }

السابقالتالي
2