الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ } * { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } * { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ }

قوله تعالى: { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } ، " السَّماءِ ": قسم، و " الطَّارقِ ": قسم، والطَّارقُ: هو النَّجم الثاقب، كما بينهُ الله تعالى بقوله: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ }.

والطارق في الأصل: اسم فاعل من: طرق يطرق طروقاً: أي: جاء ليلاً؛ قال امرؤ القيس: [الطويل]
5160- فَمِثْلكِ حُبْلَى قَدْ طَرقتُ ومُرضعٍ   فألْهَيْتُهَا عَنِ ذِي تَمائِمَ مُحْولِ
وأصله من الضرب، والطَّارقُ بالحصى: الضارب به؛ قال: [الطويل]
5161- لعَمْرُكَ، ما تَدْرِي الطَّوارِقُ بالحَصَى   ولا زَاجِراتُ الطَّيْرِ ما اللهُ صَانِعُ
ثم اتُّسعَ فقيل لكل من أتى ليلاً: طارق، سواء كان كوكباً، أو غيره، ولا يكون الطارقُ نهاراً.

وروي أنه صلى الله عليه وسلم: " نهى أن يأتي الرجل أهله طروقاً ".

وقوله: { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } ، قال محمد بن الحسين: هو زُحَل.

وقال ابن زيد: هو الثُّريَّا - أيضاً -: أنه زُحَل.

وعن ابن عباس: هو الجديُ، وعن عليٍّ بن أبي طالب والفرَّاء، " النَّجْمُ الثَّاقبُ ": نجم في السماء السابعة لا يسكنها غيره من النجوم، فإذا أخذت النجوم أمكنتها من السماء هبط، فكان معها، ثم يرجع إلى مكانه من السماء السابعة، وهو زحل، فهو طارق حين ينزل، وحين يهبط.

وفي " الصحاح ": " الطَّارقُ: النجم الذي يقال له: كوكب الصبح ".

ومنه قول هند: [الرجز]
5162- نَحْـنُ بَنـاتُ طَـارق   نَمْشِـي عَلـى النَمـارِق
وقيل: هو اسم جنس، فيدخل فيه سائر الكواكب، وسمي ثاقباً؛ لأنه يثقب الظَّلام بضوئه، أي: ينفذ فيه. أي يرمي الشيطان فيحرقه.

قال الماورديُّ: وأصل الطرقِ، الدَّق، ومنه سميت المطرقة، فسمي قاصد الليل: طارقاً، لاحتياجه في الوصول إلى الدق.

ورُوِيَ " أنَّ أبا طالبٍ أتى النبي صلى الله عليه وسلم بخبز ولبن، فبينما هو جالس يأكل إذ انحطَّ نجم فامتلأت الأرض نوراً، ففزع أبو طالب، وقال: أيُّ شيءٍ هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هَذَا نجمٌ رُمِي بِهِ، وإنَّهُ مِنْ آياتِ اللهِ " فعجب أبو طالب، ونزلت السورة ".

وقال مجاهد: " الثاقب ": المتوهِّج.

قوله تعالى: { وَمَآ أَدْرَاكَ } تفخيم لشأن هذا المقسم به.

قوله: { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ }. قد تقدم في سورة " هود ": التخفيف والتشديد في " لما " ، فمن خففها - هنا - كانت " إنْ ": مخففة من الثقيلة، و " كل ": مبتدأ، و " عليها ": خبر مقدم، و " حافظ ": مبتدأ مؤخر، والجملة خبر " كل " ، و " ما ": مزيدة بعد اللام الفارقة، ويجوز أن يكون " عليها ": هو الخبر وحده، و " حافظ ": فاعل به، وهو أحسن، ويجوز أن يكون " كل ": مبتدأ، و " حافظ ": خبره، و " عليها " متعلق به، و " ما ": مزيدة أيضاً، هذا كله تفريع على قول البصريين.

السابقالتالي
2