الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ } * { وَٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } * { وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ } * { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } * { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ ٱلْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ } * { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ } * { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ } * { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }

قوله: { فلا أقسم بالشفق } " لا ": صلة: " بالشَّفَقِ " أي: بالحمرة التي تكون عند غروب الشمس حتى تأتي صلاة العشاء الآخرة.

قال الراغب: الشَّفَقُ: هو اختلاط ضوء النَّهار بسواد الليل عند غروب الشمس، والإشفاقُ: عناية مختلطة بخوف؛ لأن المُشفق يحب المشفق عليه، ويخاف ما يلحقه، فإذا عُدّي بـ " من " فمعنى الخوف فيه أظهر، وإذا عدي بـ " على " فمعنى العناية فيه أظهر.

وقال الزمخشري: " الشفق " الحُمْرة التي ترى في الغروب بعد سقوط الشمس، وبسقوطه يخرج وقت المغرب، ويدخل وقت العتمة عند عامة العلماء، إلا ما روي عن أبي حنيفة في إحدى الروايتين: أنه البياض. وروى أسد بن عمرو أنه رجع عنه، سمي شفقاً لرقته، ومنه الشفقة على الإنسان، رقة القلب عليه انتهى.

والشَّفَقُ: شفقان، الشَّفَقُ الأحمر، والآخر: الأبيض، والشفقُ والشفقةُ: اسمان للإشفاق؛ وقال الشاعر: [البسيط]
5141- تَهْوَى حَياتِي وأهْوَى مَوْتَهَا شَفقاً   والمَوْتُ أكْرَمُ نَزَّالٍ على الحُرمِ
تقدم اختلاف العلماء في القسم بهذه الأشياء، هل هو قسم بها أو بخالقها؟ وأن المتقدمين ذهبوا إلى أن القسم واقع برب الشفق، وإن كان محذوفاً؛ لأن ذلك معلوم من ورود الحظر بأن يقسم بغير الله تعالى.

واعلم أن الصحيح في الشفق: أنَّه الحمرة؛ لأن أكثر الصحابة، والتابعين، والفقهاء عليه، وشواهد [كلام العرب]، والاشتقاق، والسنة تشهد له.

وقال الفراء: " وسمعت بعض العرب يقول: عليه ثوب مصبوغ أحمر كأنه الشفق ".

وقال الشاعر: [الرجز]
5142- وأحْمَـرُ اللَّـوْنِ كحُمَـرِّ الشَّفـقْ   
وقال آخر: [البسيط]
5143- قُمْ يا غُلامُ أعنِّي غَيْرَ مُرتَبِكٍ   على الزَّمانِ بكأسٍ حَشوُهَا شَفَقُ
ويقال للمغرة: الشَّفقة.

وفي " الصِّحاح ": الشَّفق بقية ضوء الشمس وحمرتها في أول الليل إلى قرب من العتمة.

وقال الخليل: الشفق: الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة إذا ذهب قيل: غاب الشفق.

وأصل الكلمة من رقّة الشيء، يقال: شيء شفق، أي: لا تماسك له لرقته، وأشفق عليه أي: رق قلبه عليه، والشفقة: الاسم من الإشفاق، وهو رقة القلب، وكذلك الشفق، فكأن تلك الرقة من ضوء الشمس.

وزعم بعض الحكماء: أن البياض لا يغيب أصلاً.

وقال الخليل: صعدت منارة الإسكندرية، فرمقت البياض، فرأيته يتردد من أفق إلى أفق، ولم أره يغيب.

وقال ابن أبي أويس: رأيته يتمادى إلى طلوع الفجر، وكل ما يتجدّد وقته سقط اعتباره.

وروى النعمانُ بن بشيرٍ، قال: أنا أعلمكم بوقت صلاة العشاء الآخرة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة. وهذا تحديد.

وقال مجاهد: الشفق النهار كله؛ لأنه عطف عليه { وَٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } ، فوجب أن يكون الأول هو النهار، فعلى هذا يكون القسم واقع بالليل والنهار اللذين أحدهما معاش، والثاني: سكن، والشفقُ أيضاً: الرديء من الأشياء، يقال: عطاء مشفق، أي: مقلل؛ قال الكميتُ: [الكامل]

السابقالتالي
2 3 4 5 6