الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } * { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ }

قوله تعالى: { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ }.

" كَلاَّ " حرف ردع، أي: ليس الأمر على ما هم عليه فَليَرتَدِعُوا، وها هنا تم الكلام.

وقال الحسنُ: " كَلاَّ ": ابتداء يتصل بما بعده على معنى " حقًّا " إنَّ كتابَ الفجَّار الذي كتب فيه أعمالهم لفي سجين.

اختلفوا في نون " سِجِّين ".

فقيل: هي أصليَّة، واشتقاقه من السَّجن، وهو الحبسُ، وهو بناء مبالغة " فعيلاً " من السجن، كـ " سِكِّير " و " فسِّيق " من السكر والفسق وهو قول أبي عبيدة والمبرد والزجاج.

قال الواحدي: وهذا ضعيف؛ لأن العرب ما كانت تعرف سجيناً.

وقيل: " النون " بدل من " اللام " ، والأصل: " سجيل " مشتقاً من السِّجل، وهو الكتاب.

واختلفوا فيه أيضاً: هل هو اسم موضع، أو اسم كتاب مخصوص؟.

وقيل: هو صفة، أو علمٌ منقول من وصفٍ كـ " خاتم " ، وهو مصروف إذ ليس فيه إلا سبب واحدٌ، وهو العلمية.

وإذا كان اسم مكان، فقوله تعالى: { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } إمَّا بدل منه، أو خبر لمبتدأ محذوف، وهو ضمير يعود عليه.

وعلى التقديرين فهو مشكل؛ لأن الكتاب ليس هو المكان.

فقيل: التقدير، هو محل كتاب، ثم حذف المضاف.

وقيل: التقدير: وما أدراك ما كتاب سجين، والحذف إما من الأول وإمّا من الثاني.

وأما إذا قلنا: إنه اسم لكتاب فلا إشكال.

وقال ابن عطية: من قال: إن سجيناً موضع، فكتاب مرفوع على أنه خبر " إنَّ " ، والظرف الذي هو " لفي سجين " ملغى، ومن جعله عبارة عن الخسار، فـ " كتاب " خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هو كتاب، ويكون هذا الكلام مفسراً لسجين ما هو انتهى.

وهذا لا يصح - ألبتة - إذ دخول اللام يعيّن كونه خبراً، فلا يكون ملغياً لا يقال: " اللام " تدخل على معمول الخبر، فهذا منه، فيكون ملغىً؛ لأنَّه لو فرض الخبر، وهو " كتاب " عاملاً أو صفته عاملة، وهو " مَرقُوم " لامتنع ذلك، أمّا منع عمل " كتاب " ، فلأنه موصوف، والمصدر الموصوف لا يعمل، وأمَّا امتناع عمل " مرقوم "؛ فلأنه صفة، ومعمول الصفة لا يتقدم على موصوفها، وأيضاً: فاللام إنما تدخل على معمول الخبر بشرطه، وهذا ليس معمولاً للخبر، فتعيَّن أن يكون الجار هو الخبر، وليس بملغى.

وأمَّا قوله ثانياً: ويكون هذا الكلام تفسيراً لـ " سجين " ما هو, فهو مشكل، لأن الكتاب ليس هو الخسار الذي جعل الضمير عائداً عليه مخبراً عنه بـ " كتاب ".

وقال الزمخشري: فإن قلت: قد أخبر الله تعالى عن كتاب الفجَّار بأنه في سجِّين، وفسَّر سجيناً بـ " كتاب مرقوم " ، فكأنه قيل: إنَّ كتابهم في كتاب مرقوم فما معناه؟.

السابقالتالي
2