الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ } * { وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } * { أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ } * { لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } * { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله تعالى: { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ }.

" ويلٌ ": ابتداء، وسوغ الابتداء به كونه دعاء، ولو نصب لجاز.

وقال مكيٌّ: والمختار في " وَيْل " وشبهه إذا كان غير مضاف الرَّفع، ويجوز النصب، فإن كان مضافاً، أو معرفاً كان الاختيار فيه النَّصب نحو:وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ } [طه: 61]، و " للمُطففِينَ " خبره.

والمُطفِّف: المُنْقِص، وحقيقته: الأخذُ في كيل أو وزنٍ شيئاً طفيفاً، أي: نزراً حقيراً، ومنه قولهم: دُون التَّطفيف، أي: الشيء التافه لقلته.

قال الزجاجُ: إنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان مطفِّف؛ لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلاَّ الشيء اليسير الطفيف.

فصل في تعلق هذه السورة بما قبلها

قال ابن الخطيب: اتصال أوَّل هذه السورة بالمتقدمة أنَّه تعالى بيَّن في آخر تلك السورة أنَّ من صفة يوم القيامة أنه لا تملك نفسٌ لنفسٍ شيئاً، والأمر يومئذٍ لله، وذلك يقتضي تهديداً عظيماً للعصاة، فلهذا أتبعه بقوله تعالى: { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } والمراد منه الزجر على التطفيف، وهو البَخْس في المكيال والميزان على سبيل الخفية.

واعلم أن الويل كلمة تذكر عند وقوع البلاء، يقال: ويل لك، وويل عليك، وفي اشتقاق لفظ التطفيف قولان:

الأول: قول الزجاج المتقدم.

والثاني: أنَّ طف الشيء، هو جانبه وحرفه يقال: طفَّ الوادي والإناء إذا بلغ الشيء الذي فيه حرفه، ولم يمتلئ، فهو طفافه وطففه، يقال: هذا طف المكيال وطفافه إذا قارب ملأه، لكنه بعدُ لم يمتلئ، ولهذا قيل للذي " ينقص " الكيل ولا يوفيه مطفف. لأنه إنما يبلغ الطفاف.

فصل في نزول الآية

روى ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: " لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم " المدينة " ، كانوا من أبْخَس النَّاس كيلاً، فأنزل الله تعالى: { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } ، فاجتنبوا الكيل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها عليهم، وقال: " خَمْسٌ بِخمْسٍ، ما نقص قومٌ العَهْدَ إلاَّ سلَّط اللهُ عليهم عدُوَّهُم، ولا حكمُوا بغيرِ مَا أنْزَلَ اللهُ إلاَّ فَشَا فِيِهمُ الفقرُ، ولا ظَهَرَ فِيهمُ الفَاحِشَةُ إلاَّ ظَهَرَ فِيهمُ المَوْتُ، ولا طَفَّفُوا المِكْيَالَ إلاَّ مُنِعُوا النَّباتَ وأخذُوا بالسِّنينَ، ولا مَنَعُوا الزَّكاةَ إلاَّ حُبِسَ عَنْهُم المَطرُ " ".

وقال السديُّ: قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم " المدينة " ، وبها رجل يقال له: أبو جهينة، ومعه صاعان يكيل بأحدهما، ويكيل بالآخر فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وروى ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: المطفف الرجل الذي يستأجر المكيال، وهو يعلم أنه يحيف في كيله فوزن عليه.

قوله: { عَلَى ٱلنَّاسِ }. فيه أوجه:

أحدها: أنَّه متعلق بـ " اكتالوا " ، و " على " و " من " " يتعاقبان " هنا.

السابقالتالي
2 3 4