الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } * { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } * { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } * { ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ ٱلْجَحِيمِ } * { ثُمَّ يُقَالُ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ }

قوله تعالى: { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ }.

قيل: إنَّه متصل بقوله تعالى: { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } لمن كذَّب بأخبار الله تعالى.

وقيل: إنَّ قوله: " مرقوم " معناه: مرقم أي: يدل على الشَّقاوة يوم القيامة، ثم قال: { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } في ذلك اليوم من ذلك الكتاب.

ثم إنه - تعالى - أخبر عن صفة من يكذِّب بيوم الدين، فقال تعالى: { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } ، فقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ } يجوز فيه الإتباع نعتاً وبدلاً وبياناً، والقطع رفعاً ونصباً.

واعلم أنه - تعالى - وصف المكذب بيوم الدين بثلاث صفاتٍ:

أولها: كونه معتدياً، والاعتداء هو التجاوز عن المنهج الحقِّ.

وثانيها: الأثيم وهو المبالغة في ارتكاب الإثم والمعاصي.

وثالثها: { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } والمراد: الذين ينكرون النبوة، والمراد بالأساطير: قيل: أكاذيب الأولين. وقيل: أخبار الأولين.

قوله: { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ }. العامة على الخبر.

والحسن: " أئِذَا؟ " على الاستفهام الإنكاري.

والعامَّة: " تتلى " بتاءين من فوق.

وأبو حيوة وابن مقسم: بالياء من تحت؛ لأن التأنيث مجازي.

فصل في المراد بالمكذب في الآية

قال الكلبيُّ: المراد بالمكذِّب هنا: هو الوليدُ بن المغيرةِ - لعنه الله - لقوله تعالى:وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } [القلم: 10] إلى قوله:مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } [القلم: 12] وقوله:إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [القلم: 15].

فقيل: هو الوليد بن المغيرة.

وقيل: هو النَّضر بنُ الحارث.

وقيل: عام في كل موصوف بهذه الصفة.

قوله: { كَلاَّ }. ردعٌ وزجرٌ، أي: ليس هو أساطير الأولين.

وقال الحسن: معناها " حقًّا " ران على قلوبهم.

وقال مقاتلٌ: معناه: لا يؤمنون، ثم استأنف: { بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } قد تقدم وقف حفص على لام " بل " في سورة " الكهف ".

والرَّان: الغشاوة على القلب كالصَّدأ على الشيء الصقيل من سيف، ومرآة، ونحوهما.

قال الشاعر: [الطويل]
5129- وكَمْ رَانَ من ذَنْبٍ على قَلْبِ فَاجِرٍ   فَتَابَ منَ الذَّنْبِ الذي رَانَ وانْجَلَى
وأصل الرَّيْنِ: الغلبة، ومنه رانت الخمر على عقل شاربها.

وقال الزمخشري: " يقال ران عليه الذنب، وغان عليه، رَيْناً، وغَيْناً، والغَيْنُ: الغَيْمُ ".

والغين أيضاً: شجر متلف، الواحدة غَيْنَاء، أي: خضراء كثيرة الورق ملتفة الأغصان.

ويقال: رَانَ رَيْناً ورَيَناً، فجاء مصدره مفتوح العين وساكنها.

وقرأ حمزة والكسائي والأعمش وأبو بكر والفضل: " رَانَ " بالإمالة؛ لأن فاء الفعل راء، وعينه ألف منقلبة عن ياء، فحسنت الإمالة، ومن فتح فعلى الأصل مثل: كَالَ وبَاعَ.

فصل في المراد بالرَّين والإقفال والطبع

قال أبُو معاذ النحويُّ: الرَّيْنُ، والإقفال: [أن يسود القلب من الذنوب وهو] أشدّ من الطبع، وهو أن يقفلُ على القلب، قال تعالى:

السابقالتالي
2 3