الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأيْنَ تَذْهَبُونَ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } * { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ } * { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله تعالى: { فَأيْنَ تَذْهَبُونَ } " أيْنَ ": منصوب بـ " تذهبون "؛ لأنه ظرف مبهم.

وقال أبو البقاء: أي: إلى أين؟ فحذف حرف الجرِّ، كقولك: ذهبت " الشام " ، ويجوز أن يحمل على المعنى، كأنه قال: أين تؤمنون، يعني: أنه على الحذف، أو على التضمين، وإليه نحا مكيٌّ أيضاً.

ولا حاجة إلى ذلك ألبتَّة لأنه ظرف مبهم لا مختص.

فصل في تفسير الآية

قال قتادةُ: فإلى أين تعدلون عن هذا القول، وعن طاعته.

وقال الزجاج: فأي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي بيَّنت لكم.

ويقال: أين تذهب وإلى أين تذهب.

وحكى الفراء عن العرب: ذهبت " الشام " ، وخرجت " العراق " ، وانطلقت السوق، أي: إليها؛ وأنشد لبعض بني عقيل: [الوافر]
5124- تَصِيحُ بِنَا حنيفةُ إذْ رَأتْنَا   وأيُّ الأرضِ تَذْهَبُ لِلصِّياحِ
يريد: إلى أيِّ أرض تذهب، فحذف " إلى ".

قوله: { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ } ، يعني: القرآن ذكر للعالمين، أي: موعظة، وزجر. و " إن " بمعنى: " ما ".

وقيل: ما محمد إلا ذكر.

قوله: { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ } بدل من " للعالمين " بإعادة العامل، وعلى هذا فقوله: { أَن يَسْتَقِيمَ }: مفعول " شاء " أي: لمن شاء الاستقامة، ويجوز أن يكون " لمن شاء " خبراً مقدماً، ومفعول شاء محذوف، وأن يستقيم مبتدأ، وتقدم نظيره والمعنى: لمن شاء منكم أن يستقيم.

قال أبو جهل: الأمر إلينا إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم وهذا هو القدر، وهو رأس القدرية، فنزلت: { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } ، فبين بهذا أنه لا يعمل العبد خيراً إلا بتوفيق الله تعالى، ولا شرًّا إلا بخذلانه.

قوله: { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } ، أي: إلا وقت مشيئة الله تعالى.

وقال مكيٌّ: " أن " في موضع خفض بإضمار " الباء " ، أو في موضع نصب بحذف الخافض.

يعني: أن الأصل " إلا بأن " ، وحينئذ تكون للمصاحبة.

فصل في تفسير الآية

قال الحسن: والله ما شاءت العرب الإسلام حتى شاء الله تعالى لها.

وقال وهب بن منبه - رضي الله عنه -: قرأت في تسعة وثمانين كتاباً مما أنزل الله - تعالى - على الأنبياء: من جعل إلى نفسه شيئاً فقد كفر، وفي التنزيل:وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [الأنعام: 111].

وقال تعالى:وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } [يونس: 100].

وقال تعالى:إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [القصص: 56]، والآيُ في هذا كثيرة, وكذلك الأخبار وأن الله - تعالى - هدى بالإسلام، وأضلَّ بالكفر.

السابقالتالي
2