قوله: { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } ، أي: " أقسم " ، و " لا " زائدة كما تقدم. " والخُنَّسُ ": جمع خانسٍ، والخُنوسُ: الانقباضُ، يقال: خنس بين القوم، وانْخنسَ. وفي الحديث: " فانْخَنَسْتُ " ، أي: استخفيت. يقال: خَنَسَ عنه يَخْنسُ - بالضم - خُنُوساً. والخنسُ: تأخر الأنف عن الشَّفة مع ارتفاع الأرنبة قليلاً. ويقال: رجلٌ أخنسُ، وامرأةٌ خنساءُ، ومنه: الخنساءُ الشاعرةُ. والخُنَّسُ في القرآن، قيل: الكواكب السبعة السَّيارة القمران، وزحل، والمشتري والمريخ، والزهرة، وعطارد؛ لأنها تخنس في المغيب أو لأنها تختفي نهاراً. وعن علي رضي الله عنه: هي زُحَل، والمشتري، والمريخ، والزهرة وعطارد. وفي تخصيصها بالذكر من بين سائر النجوم وجهان: أحدهما: لأنَّها تستقبل الشمس، قاله بكر بن عبد الله المزني. الثاني: تقطع المجرة، قاله ابن عباس. وقيل: خُنُوسُهَا: رجوعها، وكُنُوسها: اختفاؤها تحت ضوء الشمس. قال ابن الخطيب: الأظهرُ أنَّ ذلك إشارة إلى رجوعها واستقامتها. وقال الحسن وقتادة: هي النجوم كلها؛ لأنها تخنس بالنهار إذا غربت، وتظهر بالليل، وتكنس في وقت غروبها، أي: تتأخر عن البصر لخفائها، وتكنس أي: تستتر، كما تكنس الظِّباء في المغارة، وهي الكناس، والكنس: الداخلة في الكناس، وهي بيت الوحش، والجواري: جمع جارية. وعن ابن مسعود: هي بقر الوحش؛ لأن هذه صفتها. وروي عن عكرمة قال: الخُنَّسُ: البقر، والكُنسُ: هي الظباء، فهي خنسٌ إذا رأين الإنسان خَنَسْنَ، وانقبضن وتأخرن ودخلن كناسهنّ. قال القرطبيُّ: " والخُنَّسُ " على هذا: من الخنس في الأنف، وهو تأخير الأرنبة، وقصر القصبة، وأنوف البقر والظِّباء خنس، والقول الأول أظهر لذكر الليل والصبح بعده. وحكي الماورديُّ: أنها الملائكة، والكُنَّسُ: الغيبُ، مأخوذة من الكناس، وهو كناس الوحش الذي يختفي فيه، والكُنَّسُ: جمع كانس وكانسة. قوله تعالى: { وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ }. يقال: عَسْعَسَ وسَعْسَع، أي: أقبل. قال العجاج: [الرجز]
5123- حَتَّى إذَا الصُّبْحُ لهَا تَنفَّسَا
وانْجَابَ عَنْهَا ليْلُهَا وعِسْعَسَا
أي: أدبر. قال الفراء: أجمع المفسرون على أن معنى " عسعس ": أدبر حكاه الجوهري. وقيل: دَنَا من أوله وأظلم، وكذلك السحاب إذا دنا من الأرض. وقيل: " أدْبَر " من لغة قريش خاصَّة. وقيل: أقبل ظلامُه، ورجحه مقابلته بقوله تعالى { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } ، وهذا قريبٌ من إدباره. وقيل: هو لهما على طريق الاشتراك. قال الخليل وغيره: عسعس الليل: إذا أقبل، أو أدبر. قال المبرد: هو من الأضداد، والمعنيان يرجعان إلى شيء واحدٍ، وهو ابتداء الظلام في وله، وإدباره في آخره. قال الماورديُّ: وأصل العسِّ: الامتلاء. ومنه قيل للقدح الكبير: عُسٌّ، لامتلائه بما فيه، فأطلق على إقبال الليل لابتداء امتلائه، وأطلق على إدباره لانتهاء امتلائه، فعلى هذا يكون القسم بإقبال الليل وبإدباره، وهو قوله تعالى: { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } لا يكون فيه تكرار.