الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } * { ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } * { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } * { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } * { ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } * { مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } * { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } * { وَلَقَدْ رَآهُ بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ } * { وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ } * { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ }

قوله: { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } ، أي: " أقسم " ، و " لا " زائدة كما تقدم.

" والخُنَّسُ ": جمع خانسٍ، والخُنوسُ: الانقباضُ، يقال: خنس بين القوم، وانْخنسَ.

وفي الحديث: " فانْخَنَسْتُ " ، أي: استخفيت. يقال: خَنَسَ عنه يَخْنسُ - بالضم - خُنُوساً.

والخنسُ: تأخر الأنف عن الشَّفة مع ارتفاع الأرنبة قليلاً.

ويقال: رجلٌ أخنسُ، وامرأةٌ خنساءُ، ومنه: الخنساءُ الشاعرةُ.

والخُنَّسُ في القرآن، قيل: الكواكب السبعة السَّيارة القمران، وزحل، والمشتري والمريخ، والزهرة، وعطارد؛ لأنها تخنس في المغيب أو لأنها تختفي نهاراً.

وعن علي رضي الله عنه: هي زُحَل، والمشتري، والمريخ، والزهرة وعطارد.

وفي تخصيصها بالذكر من بين سائر النجوم وجهان:

أحدهما: لأنَّها تستقبل الشمس، قاله بكر بن عبد الله المزني.

الثاني: تقطع المجرة، قاله ابن عباس.

وقيل: خُنُوسُهَا: رجوعها، وكُنُوسها: اختفاؤها تحت ضوء الشمس.

قال ابن الخطيب: الأظهرُ أنَّ ذلك إشارة إلى رجوعها واستقامتها.

وقال الحسن وقتادة: هي النجوم كلها؛ لأنها تخنس بالنهار إذا غربت، وتظهر بالليل، وتكنس في وقت غروبها، أي: تتأخر عن البصر لخفائها، وتكنس أي: تستتر، كما تكنس الظِّباء في المغارة، وهي الكناس، والكنس: الداخلة في الكناس، وهي بيت الوحش، والجواري: جمع جارية.

وعن ابن مسعود: هي بقر الوحش؛ لأن هذه صفتها.

وروي عن عكرمة قال: الخُنَّسُ: البقر، والكُنسُ: هي الظباء، فهي خنسٌ إذا رأين الإنسان خَنَسْنَ، وانقبضن وتأخرن ودخلن كناسهنّ.

قال القرطبيُّ: " والخُنَّسُ " على هذا: من الخنس في الأنف، وهو تأخير الأرنبة، وقصر القصبة، وأنوف البقر والظِّباء خنس، والقول الأول أظهر لذكر الليل والصبح بعده.

وحكي الماورديُّ: أنها الملائكة، والكُنَّسُ: الغيبُ، مأخوذة من الكناس، وهو كناس الوحش الذي يختفي فيه، والكُنَّسُ: جمع كانس وكانسة.

قوله تعالى: { وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ }. يقال: عَسْعَسَ وسَعْسَع، أي: أقبل.

قال العجاج: [الرجز]
5123- حَتَّى إذَا الصُّبْحُ لهَا تَنفَّسَا   وانْجَابَ عَنْهَا ليْلُهَا وعِسْعَسَا
أي: أدبر.

قال الفراء: أجمع المفسرون على أن معنى " عسعس ": أدبر حكاه الجوهري.

وقيل: دَنَا من أوله وأظلم، وكذلك السحاب إذا دنا من الأرض.

وقيل: " أدْبَر " من لغة قريش خاصَّة.

وقيل: أقبل ظلامُه، ورجحه مقابلته بقوله تعالى { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } ، وهذا قريبٌ من إدباره.

وقيل: هو لهما على طريق الاشتراك.

قال الخليل وغيره: عسعس الليل: إذا أقبل، أو أدبر.

قال المبرد: هو من الأضداد، والمعنيان يرجعان إلى شيء واحدٍ، وهو ابتداء الظلام في وله، وإدباره في آخره.

قال الماورديُّ: وأصل العسِّ: الامتلاء.

ومنه قيل للقدح الكبير: عُسٌّ، لامتلائه بما فيه، فأطلق على إقبال الليل لابتداء امتلائه، وأطلق على إدباره لانتهاء امتلائه، فعلى هذا يكون القسم بإقبال الليل وبإدباره، وهو قوله تعالى: { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } لا يكون فيه تكرار.

السابقالتالي
2 3 4