الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } * { أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ } * { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } * { أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } * { أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ } * { فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ } * { وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ } * { وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ } * { وَهُوَ يَخْشَىٰ } * { فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ }

قوله تعالى: { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } أي: كَلحَ بوجههِ، يقال: عبَسَ وبَسَر وتولى، أي: أعرضَ بوجهه.

قوله: { أَن جَآءَهُ }. فيه وجهان:

أحدهما: أنَّه مفعولٌ من أجله، وناصبه: إمَّا " تولَّى " وهو قول البصريين، وإمَّا " عَبَسَ " وهو قول الكوفيين، والمختار مذهب البصريين لعدم الإضمار في الثاني، وتقدم تحقيق هذا في مسائل النزاع والتقدير: لأن جَاءهُ الأعْمَى فعل ذلكَ.

قال القرطبيُّ: إن من قرأ بالمدِّ على الاستفهام، فـ " أنْ " متعلقة بمحذوف دلَّ عليه { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } والتقدير: أأن جاءهُ اعرض عنهُ وتولى؟ فيوقف على هذه القراءة على " تولَّى " ، ولا يوقف عليه على قراءة العامة.

فصل في سبب نزول الآية

قال المفسرون: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتومٍ، واسمُ مكتُومٍ عاتكةُ بنتُ عامرٍ بن مخزومٍ، وكان عند النبي صلى الله عليه وسلم صناديدُ قريش: عُتْبَةُ وشيبةُ ابنا رَبِيعةَ، وأبُو جَهْلٍ بْنُ هشام، والعبَّاسُ بنُ عبدِ المُطلبِ، وأميَّةُ بن خلفٍ، والوليدُ بنُ المُغيرةِ، يدعوهم إلى الإسلام رجاءَ أن يسلم بإسلامهم غيرُهم، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: عَلِّمني مما علمك الله، وكرَّر ذلك عليه، فكره قطعه لكلامه، وعبس وأعرض عنه، فنزلت هذه الآية.

قال ابن العربي: أمَّا قول المفسرين: إنه الوليد بن المغيرة، أو أمية بن خلف والعباس، فهذا كله باطلٌ وجهلٌ؛ لأن أمية والوليد كانا بـ " مكة " وابن أم مكتوم كان بـ " المدينة " ما حضر معهما، ولا حضرا معه، وماتا كافرين، أحدهما: قبل الهجرة، والآخر في " بدر " ، ولم يقصد أمية " المدينة " قط، ولا حضر معه مفرداً، ولا مع أحدٍ، وإنَّما أقبل ابن أم مكتوم والنبي صلى الله عليه وسلم مشتغل بمن حضره من وجوه قريش يدعوهم إلى الإسلام، وقد طمع في إِسلامهم، وكان في إسلامهم إسلام من وراءهم من قومهم فجاء ابن أم مكتوم وهو أعمى، فقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله وجعل يناديه ويكثر النداء، ولا يدري أنه مشتغل بغيره، حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقطعه كلامه، وقال في نفسه: يقول هؤلاء إنَّما اتْباعُه العُمْيَان والسَّفلة والعبيد، فعبس وأعرضَ عنه، فنزلت الآية.

قال الثوري: فـ " كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم بسط له رداءهُ، ويقول: " مَرْحَباً بمَنْ عَاتَبنِي فِيهِ ربِّي " ، ويقول: " هَلْ مِنْ حَاجَةٍ "؟ واستخلفهُ على " المدينة " مرتين في غزوتين غزاهما ".

قال أنسٌ رضي الله عنه: فرأيته يوم " القادسيَّة " راكباً وعليه دِرْع، ومعه رايةٌ سوداءُ.

السابقالتالي
2 3 4 5