الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ } * { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ } * { وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ } * { وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ } * { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } * { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ } * { ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ } * { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ } * { تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } * { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ }

قوله تعالى: { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ }: وهي الصَّيحةُ التي تصخُّ الآذان، أي: تصمها لشدة وقعتها.

وقيل: هي مأخوذة من صَخّهُ بالحجر أي: صَكَّهُ به.

وقال الزمخشري: " صخَّ لحديثه مثل أصاخ له، فوصفت النفخة بالصاخَّة مجازاً؛ لأن النَّاس يصخُّون لها ".

وقال ابن العربي: الصاخَّة: التي تورث الصَّممَ، وإنَّها لمسمعة، وهذا من بديع الفصاحة؛ كقول الشاعر: [البسيط]
5114- أصمَّنِـي سِـرُّهُمْ أيَّـام فُرقتِهِـمْ   فَهـل سَمِعتُـمْ بِسـرِّ يُـورِثُ الصَّمَمَا
وقال آخر: [الطويل]
5115- أصَمَّ بِكَ النَّاعِي وإنْ كَانَ أسْمَعَا   .................................
وجواب " إذا " محذوف، يدل عليه قوله: " لكُلِّ امرئٍ مِنهُمْ يومئذٍ شأنٌ يُغنِيهِ ". والتقدير: فإذا جاءت الصاخة اشتغل كل أحد بنفسه.

فصل في تعلق الآية

لما ذكر أمر المعاش ذكر أمر المعاد ليتزودوا له بالأعمال الصالحة، والإنفاق مما امتن به عليهم.

وقال ابنُ الخطيب: لمَّا ذكر تعالى هذه الأشياء، وكان المقصود منها أمور ثلاثة:

أولها: الدلائل الدالة على التوحيد.

وثانيها: الدلائل الدالة على القدرة والمعاد.

وثالثها: أن هذا الإله الذي أحسن إلى عبيده بهذه الأنواع العظيمة من الإحسان، لا يليق بالعاقل أن يتمرَّد عن طاعته، وأن يتكبَّر على عبيده أتبع ذلك بما يكون كالمؤكِّد لهذه الأغراض، وهو شرح [أهوالِ الآخرةِ]، فإن الإنسان إذا سمعها خاف، فيدعوه ذلك الخوف إلى التأمل في الدلائل، والإيمان بها، والإعراض عن الكفر، ويدعوه أيضاً إلى ترك التكبُّر على الناس، وإلى إظهار التواضع فقال تعالى: { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ } يعني: صيحة القيامةِ، وهي النفخة الأخيرةُ، تصخُّ الأسماع أي: تصمُّها، فلا تسمع إلا ما يدعى به الأحياء.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ دَابَّةٍ إلا وهِيَ مُصِيخَةٌ يوْمَ الجُمعَةِ شفقاً مِنَ السَّاعَةِ إلاَّ الجنِّ والإنسَ ".

قوله: { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ } بدل من " إذا " ، ولا يجوز أن يكون " يغنيه " عاملاً، في " إذا " ، ولا في " يوم "؛ لأنه صفة لـ " شأن " ولا يتقدم معمول الصِّفة على موصوفها.

والعامة على " يغنيه " من الإغناءِ.

وابن محيصن والزهري، وابنُ أبي عبلة وحميدٌ، وابن السميفع: " يعنيه " بفتح الياء والعين المهملة من قولهم: عناني في الأمر، أي: قصدني.

فصل في معنى الآية

قوله: " يَفِرُّ " ، أي: يهرب في يوم مجيء الصاخَّةِ، " مَنْ أخِيْهِ " أي: من مُوالاةِ أخيهِ، ومُكالمتهِ لأنه مشتغل بنفسه، لقوله بعده: { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } ، أي: يشغلهُ عن غيره.

وقيل: إنَّما يفرّ حذراً من مطالبتهم إياه بالتبعات، يقول الأخُ: ما واسيتنِي بمالك، والأبوان يقولان: قصرت في برنَا، والصاحبة تقول: أطمعتني الحرامَ، والبنون يقولون: ما علمتنا.

السابقالتالي
2 3