الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ } * { أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً } * { ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً } * { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً } * { وَعِنَباً وَقَضْباً } * { وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً } * { وَحَدَآئِقَ غُلْباً } * { وَفَاكِهَةً وَأَبّاً } * { مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ }

قوله تعالى: { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ }.

قال ابن الخطيب: اعلم أنَّ عادة الله - تعالى - جارية في القرآن الكريم، كلما ذكر دلائل الأنفس يذكر عقبها دلائل الآفاق، فبدأ - هاهنا - بما يحتاج الإنسان إليه.

واعلم أنَّ النَّبْتَ إنَّما يحصل من القَطْرِ النازل من السماء الواقع في الأرض، فالسماء كالذَّكر، والأرض كالأنثى، فبيَّن نزول السماء إلى الأرض بقوله: { أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ }.

وقال القرطبي: لمَّا ذكر تعالى ابتداء خلقِ الإنسان، ذكر ما يسَّر من رزقه، أي: فلينظر كيف خلق الله طعامه الذي هو قوام حياته، وكيف هيأ له أسباب المعاشِ ليستعد بها للمعاد، وهذا النظر نظر القلب بالفكر، والتدبر.

قال الحسنُ ومجاهدٌ: { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ } أي: إلى مدخله ومخرجه.

روى الضحاكُ بنُ سفيان الكلابي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " يَا ضحَّاكُ، ما طَعامُكَ "؟ قلت: يا رسول الله، اللَحْمُ واللَّبنُ، قال: " ثُمَّ يصيرُ إلى مَاذَا "؟ قلت: إلى ما قد علمتهُ، قال: " فإنَّ الله - تعالى - ضَرَبَ مَا يَخْرجُ مِنْ ابْنِ آدمَ مثلاً للدُّنْيَا " ".

وقال أبو الوليد: سألت ابن عمر - رضي الله عنه - عن الرجل يدخل الخلاء، فينظر ما يخرج منه، قال: يأتيه الملك فيقول: انظر ما بخلت به إلى ما صار.

واعلم أنَّ الطعام الذي يتناوله الإنسان له حالتان:

إحداهما متقدمة، وهي التي لا بد من وجودها حتى يدخل ذلك الطعام في الوجود.

والحالة الثانية متأخرة وهي الأمور التي لا بد منها في بدن الإنسان، حتى يحصل الانتفاع بذلك الطعام، فلما كانت الحالة الأولى أظهر للحسِّ، لا جرم اكتفى الله تعالى بذكرها.

قوله تعالى: { أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً }.

قرأ الكوفيون: " أنَّا " بفتح الهمزة غير ممالة.

والباقون: بالكسر.

والحسين بن علي: بالفتح والإمالة.

فأمَّا الفراءة الأولى، ففيها ثلاثة أوجه:

أحدها: أنها بدل من " طَعامه " ، فيكون في محل جر، واستشكل بعضهم هذا الوجه، ورد بأنه ليس بواضح.

والثاني: أنه بدلُ اشتمالٍ، بمعنى أنَّ صبَّ الماء سبب في إخراج الطَّعام، فهو مشتمل عليه بهذا التقدير، وقد نحا مكيٌّ إلى هذا فقال: لأن هذه الأشياء مشتملة على الطعام ومنها يتكون، لأنَّ معنى " إلى طعامهِ " إلى حدوث طعامه كيف يتأتى، فالاشتمال في هذا إنما هو من الثاني على الأول؛ لأن الاعتبار إنَّما هو في الأشياء التي يتكون منها الطعام لا في الطعام نفسه.

والوجه الثاني: أنها على تقدير لام العلَّة، أي فلينظر لأنا، ثم حذف الخافض فجرى الخلاف المشهور في محلها.

قال القرطبيُّ: فـ " أنّا " في موضع خفضٍ على الترجمة عن الطعام، فهو بدل منه؛ كأنًّه قال: { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ } إلى " أنَّا صببنا " ، فلا يحسن الوقف على " طعامه " في هذه القراءة.

السابقالتالي
2 3 4