الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَافِرِينَ }

قوله " وإذْ يعدُكُمُ " " إذْ " منصوب بفعل مقدر، أي: اذكر إذْ، والجمهور على رفع الدال؛ لأنَّه مضارع مرفوع.

وقرأ مسلمة بنُ محاربٍ: بسكونها على التَّخفيفِ لتوالي الحركاتِ.

وقرأ ابنُ محيصن " يعدكم اللَّهُ احدى " يوصل همزة أحْدَى تخفيفاً على غير قياس، وهي نظير قراءة من قرأ: { إِنَّهَا لَحْدَى } [المدثر: 35] بإسقاط الهمزة أجرى همزة القطع مُجْرَى همزة الوصل، وقرأ أيضاً أحَد بالتَّذكير؛ لأنَّ الطائفة مؤنث مجازي.

فصل

إحدى الطائفتين أي: الفرقتين:

أحدهما: أبو سفيان مع العير، الأخرى أبو جهل مع النَّفيرِ، و " أنَّها لَكُمْ " منصوبُ المحلِّ على البدلِ مِنْ إحْدَى أي: يَعِدُكم أنَّ إحدى الطائفتين كائنة لكم، أي: تتسلَّطُون عليها تسلُّط المُلاَّكِ، فهي بدل اشتمال وتوَدُّونَ تريدون: { أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ } يعني: العير التي ليس فيها قتال والشَّوكةُ: السلاح كسِنان الرُّمح، والنصل والسَّيف، وأصلها من النَّبتِ الحديدِ الطرف، كـ: " شَوْكِ السَّعدانِ " ، يقال منه: رَجُلٌ شائِكٌ، فالهمزة مِنْ " واوٍ " ، كـ: قائم، ويجوزُ قلبه بتأخير عينه بعد لامه، فيقال: شاكٍ، فيصير كـ: غازٍ، ووزنهُ حينئذ فالٍ.

قال زهيرٌ: [الطويل]
2672 - لَدَى أسَدٍ شَاكِي السِّلاحِ مُقذَّفٍ   لهُ لبدٌ أظفارهُ لمْ تُقلَّمِ
ويُوصفُ السلاحُ: بالشَّاكي، كما يوصف به الرَّجُل، فيقال: رجلٌ شاكٌ، وشاكٍ، وسلاحٌ شاكٌ، وشاكٍ. فأمَّا " شاكٌ " غير معتل الآخر، وألفه منقلبةٌ عن عين الكلمة، ووزنهُ في الأصل على فَعِل بكسر العين، ولكن قلبت ألفاً، كما قالوا: كبشٌ صافٌ أي صوف، وكذلك " شاكٌ " أي: شَوِكٌ.

ويحتمل أن يكون محذوف العين، وأصله " شَائِكٌ " ، فحذفت العين، فبقي " شاكاً " فألفه زائدةٌ، ووزنه على هذا " فالٍ ".

وأمَّا: " شاكٍ " فمنقوصٌ، وطريقته بالقلب كما تقدم ومن وصف السلاح بالشاك قوله: [الوافر]
2673 - وألْبِسُ من رضاهُ في طريقِي   سلاحاً يَذْعَرُ الأبطالَ شَاكَا
فهذا يحتمل أن يكون محذوف العين، وأن يكون أصله " شوكاً " ، كـ: صَوِف. ويقال أيضاً: هو شاكٌّ في السلاح، بتشديد الكافِ، من " الشِّكَّة " ، وهي السلاح أجمع، نقله الهرويُّ، والرَّاغبُ.

قال: إنَّكُم تريدون الطائفة التي لا حدة لها، يعني: العير، ولكن الله يريدُ التَّوجُّهَ إلى الطائفة الأخرى ليحق الحقَّ بكلماته.

وقرأ مسلمة بن محارب: " بكلمته " على التَّوحيدِ، والمراد به: اسم الجنس فيؤدِّي مؤدَّى الجمع، والمرادُ بقوله: " بِكلماتِهِ " أي: بأمره إيَّاكم بالقتالِ، وقيل: بهدايته التي سبقت من إظهار الدّين وإعزازه: { وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَافِرِينَ } والدَّابرُ الآخر من دبر، ومنه دابرة الطَّائر وقطع الدَّابر عبارة عن الاستئصال أي: ليستأصلهم حتى لا يبقى منهم أحد.