الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ } الآية.

قرأ أبو عمرو " تكون " بالتأنيث، مراعاةً لمعنى الجماعة، والباقون بالتَّذكير، مراعاةً للفظ الجمع، والجمهورُ هنا على " أسْرَى " وهو قياس " فعيل " بمعنى " مفعول " دالاًّ على أنه كـ: جَريح وجَرْحَى.

وقرأ ابنُ القعقاع والمفضَّل عن عاصم " أسَارَى " شبَّهُوا " أسير " بـ: " كَسْلان " فجمعوهُ على " فُعَالَى " كَـ: " كُسَالَى " ، كما شَبَّهُوا به " كسلان " فجمعوه على " كَسْلَى " ، وقد تقدَّم القولُ فيهما في البقرة.

قال الزمخشري: " وقرىء " ما كان للنَّبي " على التعريف "

فإن قيل: كيف حسن إدخال لفظة " كان " على لفظة " يكون " في هذه الآية؟ فالجوابُ: قوله " مَا كانَ " معناه النفي والتنزيه، أي: ما يجب وما ينبغي أن يكون المعنى المذكور، كقوله:مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ } [مريم: 35].

قال أبو عبيدة " يقول: لم يكن لنبي ذلك، فلا يكن لك، ومن قرأ { مَا كَان للنَّبي } فمعناه: أنَّ هذا الحكم ما كان ينبغي حصوله لهذا النبي، وهو محمد عليه الصلاة والسلام ".

قوله: " حتَّى يُثخِنَ " قرأ العامَّةُ " يُثْخنَ " مخففاً، عدوهُ بالهمزة.

وقرأ أبُو جعفر ويحيى بن وثاب ويحيى بن يعمر " يُثَخِّنَ " بالتشديد، عدوهُ بالتضعيف، وهو مشتقٌّ من الثَّخانة، وهي الغِلَظ والكثافة في الأجسام، ثمَّ يُسْتَعار ذلك في كثرة القتل، والجراحات، فيقال: أثْخَنَتْه الجراح، أي: أثقلته حتى أثْبَتَتْه، ومنه " حتَّى إذا أثخنتموهم ".

وقيل: حتى يقهر، والإثخان: القهرُ.

وأنشد المفضلُ: [الطويل]
2738 - تُصَلِّي الضُّحَى ما دَهْرُهَا بتَعَبُّدٍ   وقَدْ أثْخَنَتْ فرعَونَ في كُفُرِهِ كُفْرَا
كذا أنشده الهروي شاهداً على القهر، وليس فيه معنى، إذا المعنى على الزِّيادة والمبالغةِ المناسبةِ لأصل معناه، وهي الثَّخانة.

ويقال منه: ثَخُنَ يَثْخُنُ ثَخَانَة فهو ثَخِين، كـ: ظَرُفَ يَظْرُف ظَرَافَةً، فهو ظريفٌ.

قوله { تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ }. الجمهورعلى نصب " الآخرة ".

وقرأ سليمانُ بن جماز المدني بجرِّها، وخُرِّجتْ على حذفِ المضاف وإبقاء المضاف إليه على جرِّه. وقدَّره بعضهم عرض الآخرة، فعيب عليه؛ إذْ لا يحسن أن يقال: والله يريد عرض الآخرة فأصلحه الزمخشريُّ بأنْ جعلهُ كذلك؛ لأجل المقابلة، قال: " يعني ثوابها " وقدَّره بعضهم بـ " أعمال " ، أو " ثواب " ، وجعله أبُو البقاءِ كقول الآخر: [المتقارب]
2739 -.....................   ونَارٍ توقَّدُ باللَّيْلِ نَارَا
وقدَّر المضاف: " عَرَضَ الآخِرَةِ ".

قال أبُو حيان: " ليست الأيةُ مثل البيت، فإنهُ يجوزُ ذلك، إذَا لمْ يُفْصل بين حرف العطف وبين المجرور بشيء كالبيت، أو يفصل بـ " لا " نحو: " ما مثل زيد ولا أخيه يقولان ذلك " أمَّا إذَا فُصِل بغيرها كهذه القراءةِ فهو شاذٌّ قليل ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6