الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } * { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }

قوله تعالى: { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ } الآية.

لمَّا وعده بالنَّصر عند مخادعة الأعداء، وعده بالنَّصر والظفر في هذه الآية مطلقاً، وعلى هذا التقرير لا يلزم منه التكرار، وهذه الآية نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال، والمرادُ بقوله { ومنِ اتَّبعكَ من المؤمنينَ } الأنصار.

وعن ابنِ عبَّاسٍ: " نزلت في إسلامِ عُمر ".

قال سعيدُ بن جبير: " أسلم مع النَّبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثلاثون رجلاً وست نسوة، ثم أسلم عمر، فنزلت هذه الآية ".

قال المفسِّرُون: فعلى هذا القول هذه الآية مكية، [كتبت في] سورة مدنية بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله " ومن اتَّبعكَ " فيه أوجهٌ.

أحدها: أن يكون " مَنْ " مرفوع المحلِّ، عطفاً على الجلالة، أي: يكفيك الله والمؤمنون. وبهذا فسّره الحسن البصري وجماعة وهو الظاهر ولا محذور في ذلك حيث المعنى.

فإن قالوا: من كان الله ناصره امتنع أن يزداد حاله، أو ينقص بسبب نصرة غير الله، وأيضاً إسناد الحكم إلى المجموع يوهم أنَّ الواحدَ من ذلك المجموع لا يكفي في حصولِ ذلك المهم وتعالى الله عنه.

ويجابُ: بأنَّ الكُلَّ من اللَّهِ، إلاَّ أنَّ من أنواع النُّصرة ما يحصل بناء على الأسباب المألوفةِ المعتادةِ، ومنها ما يحصلُ لا بناءً على الأسباب المألوفة المعتادة؛ فلهذا الفرق اعتبر نصر المؤمنين، وإن كان بعضُ الناس استصعب كون المؤمنين يكونون كافين النبي صلى الله عليه وسلم وتأوَّل الآية على ما سنذكره.

الثاني: أنَّ " مَنْ " مجرورُ المحلِّ، عطفاً على الكافِ في: " حَسْبُكَ " ، وهذا رأي الكوفيين وبهذا فسَّر الشعبي وابن زيد، قالا: " معناه: وحسبُ من اتَّبعك ".

الثالث: أنَّ محلَّه نصبٌ على المعيَّة.

قال الزمخشري: " ومنِ اتَّبعكَ " الواو بمعنى " مع " وما بعدهُ منصوبٌ، تقول: حَسْبُكَ وزَيْداً درهمٌ، ولا تَجُرُّ؛ لأنَّ عطف الظّاهر المجرور على المكنيّ ممتنعٌ؛ وقال: [الطويل]
2735 -   .........................
فَحَسْبُكَ والضَّحَّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّدُ   
والمعنى: كَفَاك وكَفَى تُبَّاعكَ المؤمنين اللَّه ناصراً.

قال أبو حيَّان: " وهذا مخالفٌ لكلام سيبويه؛ فإنَّه قال " حَسْبُك وزَيْداً درهم " لمَّا كان فيه معنى: كفاك، وقبُحَ أن يحملوه على الضمير دون الفعل، كأنَّهُ قال: حسبك وبحسبِ أخاك " ثم قال: " وفي ذلك الفعل المضمر ضميرٌ يعودُ على الدرهم والنيةُ بالدرهم التقديمُ، فيكون من عطف الجمل، ولا يجوزُ أن يكون من باب الإعمال، لأنَّ طلبَ المبتدأ للخبر وعمله فيه ليس من قبيل طلب الفعل، أو ما جرى مجراه، ولا عمله فلا يُتوهَّم ذلك فيه ".

وقد سبق الزمخشريَّ إلى كونه مفعولاً معه الزجاج، إلاَّ أنه جعل " حسب " اسم فعلٍ، فإنه قال: " حَسْبُ " اسمُ فعل، والكافُ نصبٌ، والواو بمعنى " مع ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7