الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } * { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَإِن يُرِيدُوۤاْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله: { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ }.

لمَّا أوجب على رسوله أن يُشرِّد من صدر منه نقض العهدِ، وأن ينبذ العهد إلى من خاف منه النَّقض أمره في هذا الآية بالإعداد للكُفَّارِ.

وقيل: إنَّ الصحابة لمَّا قصدوا الكفار يوم بدر بلا آلة ولا عدة أمرهم الله تعالى ألاَّ يعودوا لمثله، وأن يعدُّوا للكفار ما أمكنهم من آلة وعدة وقوة. والإعداد: اتخاذ الشيء لوقت الحاجة. والمراد بالقوة: الآلات التي تكون لكم قوة عليهم من الخيل والسلاح.

قال - عليه الصَّلاة والسَّلام - على المنبر " ألا إنَّ القُوَّة الرَّمي ألا إنَّ القُوَّة الرَّمي ألا إنَّ القُوَّة الرَّميُ ".

وقال بعضهم: القوة هي الحصون.

وقال أهل المعاني: هذا عام في كل ما يتقوى به على الحرب.

وقوله عليه الصلاة والسلام " القُوَّةُ هي الرَّمْيُ " لا ينفي كون غير الرمي معتبراً، كقوله عليه الصلاة والسلام: " الحَجُّ عرفة " و " النَّدمُ توْبةٌ " لا ينفي اعتبار غيره.

فإن قيل: قوله: { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم } كان يكفي، فلم خصَّ الرمي والخيل بالذكر؟.

فالجوابُ: أنَّ الخيل لما كانت أصل الحروب وأوزارها الَّتي عقد الخير في نواصيها، وهي أقوى الدّواب وأشد العدة وحصون الفرسان، وبها يُجالُ في الميدان، خصَّها بالذِّكر تشريفاً وأقسم بغبارها تكريماً، فقال:وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } [العاديات: 1] الآياتُ، ولمَّا كانت السهامُ من أنجع ما يتعاطى في الحروب والنكاية في العدوِّ، وأقربها تناولاً للأرواح، خصَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذكر لها؛ ونظير هذا قوله تعالى:وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } [البقرة: 89] بعد ذكر الملائكة، ومثله كثير.

قوله " مِن قُوَّةٍ " في محلِّ نصبٍ على الحالِ، وفي صاحبها وجهان:

أحدهما: أنَّهُ الموصول، والثاني: أنه العائد عليه، إذ التقديرُ: ما استطعتموه حال كونه بعض القوة، ويجوزُ أن تكون " مِنْ " لبيان الجِنْسِ.

قوله: " ومِن ربَاطِ " ، جوَّزُوا فيه أن يكون جمع " رَبْط " مصدر: رَبَط يَربط، نحو: كَعْب وكِعَاب، وكَلْب وكِلاب، وأن يكُون مصدراً لـ " رَبَطَ " ، نحو: صَاحَ صِيَاحاً.

قالوا: لأنَّ مصادر الثلاثي لا تنقاس، وأن يكون مصدر: " رَابِط " ، ومعنى المفاعلة: أنَّ ارتباط الخيل يفعله كلُّ واحد لفعل الآخر، فيرابط المؤمنون بعضهم بعضاً، قال معناه ابن عطيَّة.

قال أبُو حيَّان: قوله " مصادرُ الثلاثي غير المزيد لا تَنْقَاسُ " ليس بصحيحٍ، بل لها مصادر منقاسةٌ ذكرها النحويون.

قال شهابُ الدِّين: " في المسألة خلافٌ مشهور، وهو لم ينقل الإجماع على عدم القياسِ حتى يرُدَّ عليه بالخلاف؛ فإنَّهُ قد يكون اختيار أحد المذاهب، وقال به، فلا يُردُّ عليه بالقول الآخر ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6