الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { ٱلَّذِينَ عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ } * { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } * { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَٱنْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلخَائِنِينَ } * { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوۤاْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الآية.

لمَّا وصف كُلَّ الكفار بقوله:وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ } [الأنفال: 54] أفرد بعضهم بمزية في الشر والعناد فقال: { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ } أي: في حكمه وعلمه من حصلت له صفتان:

الأولى: الكافر المستمر على كفره مصرًّا عليه.

الثانية: أن يكون ناقضاً للعهد، فقوله: { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون } إشارة إلى استمرارهم على الكفر، وإصرارهم عليه، وقوله: { ٱلَّذِينَ عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ } إشارة إلى نقض العهد.

قال الكلبيُّ ومقاتلٌ: يعني يهود بني قريظة، منهم كعب بن الأشرف وأصحابه.

{ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ } أي: عاهدنهم.

قيل: عاهدت بعضهم، وقيل: أدخل " مِنْ " لأن معناه: أخذت منهم العهد. { ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ }.

قال ابنُ عباسٍ " هم بنو قريظة، نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعانوا المشركين على قتال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، ثم قالوا: نسينا وأخطأنا فعاهدهم ثانياً، فنقضوا العهد ومالوا مع الكفار على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، وركب كعب بن الأشرف إلى مكة فوافقهم على مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم " ، { وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ } لا يخافون الله في نقض العهد.

قوله " الَّذينَ عاهدَتَّ " يجوزُ فيه أوجه:

أحدها: الرَّفْعُ على البدل من الموصول قبله، أو على النَّعت له، أو على عطف البيان، أو النصبُ على الذَّمِّ، أو الرفعُ على الابتداء، والخبرُ قوله " فإمَّا تَثْقَفَنَّهُم " بمعنى: من تعاهد منهم، أي: من الكفار ثم ينقضون عهدهم، فإن ظفرتَ بهم فاصنعْ كيت وكيت، فدخلت الفاءُ في الخبر لشبه المبتدأ بالشرط، وهذا ظاهر كلام ابن عطية رحمه الله تعالى.

و " مِنْهُمْ " يجوز أن يكون حالاً من عائد الموصول المحذوف، إذ التقدير: الذين عاهدتهم، أي: كائنين منهم، فـ " مِنْ " للتبعيض. وقيل: هي بمعنى: " مع ".

وقيل: الكلام محمول على معناه، أي: أخذت منهم العهد.

وقيل: زائدةٌ أي: عاهدتهم. والأقوالُ الثلاثةُ ضعيفةٌ، والأول أصحُّ.

{ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ }.

قال ابن عباس " فنكل بهم من خلفهم ".

وقال سعيدُ بنُ جبيرٍ: " أنذر بهم من خلفهم ".

العامَّةُ على الدال المهملة في " فَشرِّدْ ". وأصل التَّشْريدِ، التَّطريدُ والتفريقُ والتبديدُ.

وقيل: التفريق مع الاضطراب، والمعنى: فرق بهم جمع كل ناقض، أي: افعل بهؤلاء الذين نقضوا عهدك وجَاءُوا لحربك فعلاً من الحرب والتنكيل، يفرقُ منك ويخافك من خلفهم من أهل مكة واليمن، " لَعَلَّهُم يذَّكرُون " يتذكرون ويعتبرون فلا ينقضون العهد.

السابقالتالي
2 3 4