الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَادِ وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ فِيۤ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِيۤ أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }

قوله تعالى: { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ } الآية.

لمَّا أمر بقتال الكفار بقوله تعالى: { وَقَاتِلُوهُمْ } وعند المقاتلة قد تحصل الغنيمة، ذكر تعالى حكم الغنيمة، والظَّاهرُ أنَّ " ما " هذه موصولةٌ بمعنى " الَّذي " ، وكان من حقِّها أن تكتب منفصلةً من " أنَّ " كما كُتبت:إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ } [الأنعام: 134] منفصلةً، ولكن كذا رُسِمَت. و " غَنِمْتُم " صلتها، وعائدها محذوف لاستكمال الشُّروطِ، أي: غَنِمْتُمُوه.

وقوله " فأنَّ لِلَّهِ " الفاءُ مزيدةٌ في الخبر؛ لأنَّ المبتدأ ضُمِّن معنى الشَّرطِ، ولا يَضُرُّ دخولُ الناسخ عليه؛ لأنه لَمْ يُغَيِّر معناه، وهذا كقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ } ثم قال: " فَلَهُم " والأخفش مع تجويزه زيادة الفاء في خبر المبتدأ مطلقاً، يمنع زيادتها في الموصول المشبه بالشَّرط إذا دخلت عليه " إنَّ " المكسورة، وآيةُ البروج [10] حُجَّةٌ عليه.

وإذا تقرَّر هذا فـ " أنَّ " وما عملتْ فيه في محلِّ رفع على الابتداء، والخبرُ محذوفٌ تقديره: فواجبٌ أنَّ لله خمسهُ، والجملةُ من هذا المبتدأ والخبر خبر لـ " أنَّ ".

وظاهر كلام أبي حيان أنه جعل الفاء داخلةً على: " أنَّ للَّهِ خُمُسَهُ " من غير أن يكون مبتدأ وخبرها محذوف، بل جعلها بنفسها خبراً، وليس مرادهُ ذلك، إذ لا تدخل هذه الفاءُ على مفردٍ، بل على جملةٍ، والذي يُقَوِّي إرادته ما ذكرنا أنه حكى قول الزمخشريِّ، أعني كونه قدَّر أنَّ " أنَّ " ، وما في حيِّزها مبتدأٌ، محذوفُ الخبر، فجعلهُ قولاً زائداً على ما قدَّمه.

ويجوز في " ما " أن تكون شرطيةً، وعاملُها " غَنِمْتُم " بعدها، واسمُ " أنَّ " حينئذٍ ضميرُ الأمرِ والشَّأنِ وهو مذهبُ الفرَّاءِ، إلاَّ أنَّ هذا لا يجوزُ عند البصريين إلاَّ ضرورةً، بشرط ألاَّ يليها فعل؛ كقوله: [الخفيف]
2707 - إنَّ مَنْ يَدْخُلِ الكَنِيسَة يَوْماً   يَلْقَ فِيهَا جَآذِراً وظِبَاءَ
وقول الآخَرِ: [الخفيف]
2708 - إنَّ مَنْ لامَ بَنِي بنتِ حَسَّا   نَ ألُمْهُ وأعْصِهِ في الخُطُوبِ
وقيل: الفاءُ زائدةٌ، و " أنَّ " الثانيةُ بدلٌ من الأولى.

وقال مكي: " وقد قيل: إنَّ الثانية مؤكدةٌ للأولى، وهذا لا يجوز لأنَّ الأولى تبقى بغير خبر؛ ولأنَّ الفاء تحول بين المؤكَّد والمؤكِّد وزيادتها لا تَحْسُن في مثل هذا ".

وقيل: " ما " مصدريَّةٌ، والمصدر بمعنى المفعول أي: أنَّ مغنومكم هو المفعول به، أي: واعلموا أنَّ غُنمكم، أي: مغنومكم.

والغنيمةُ: أصلها من الغُنْمِ، وهو الفوزُ، يقال: غنم يغنم فهو غانم، وأصلُ ذلك من الغنم هذا الحيوان المعروف، فإنَّ الظفر به يُسَمَّى غُنْماً، ثم اتُّسِع في ذلك، فَسُمِّي كلُّ شيء مظفورٍ به غُنْماً ومَغْنَماً وغَنيمة؛ قال علقمةُ بنُ عبدةَ: [البسيط]

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد