الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }

لمَّا ذكر أنَّهم ليسُوا أولياء البيتِ الحرام بيَّن ههنا ما به خرجوا من أن يكونوا أولياء البيت، وهو أنَّ صلاتهم عند البيت إنَّما كان بالمكاء والتَّصديةِ.

أي: ما كان شيءٌ ممَّا يعُدَّونه صلاةً وعبادةً إلا هذين الفعلينِ، وهما المكاء والتصدية أي: إن كان لهم صلاةٌ فلا تكن إلاَّ هذين، كقول الشَّاعر: [الطويل]
2700 - ومَا كُنْتُ أخْشَى أن يكُونَ عَطَاؤُهُ   أدَاهِمَ سُوداً أو مُحَدْرَجَةً سُمْرَا
فأقام القيود، والسِّياط مقام العطاء، والمُكَاء: مصدر مَكَا يَمْكُو، أي: صفر بين أصابعه أو بين كفَّيه.

قال الأصمعي: قلت لمنتجع بن نبهان: ما تَمْكُو فريصتُه؟.

فشبَّك بين أصابعه، وجعلها على فِيهِ، ونفخ فيها. يريد قول عنترة: [الكامل]
2701 - وحَلِيْلِ غَانِيَةٍ تَركْتُ مُجَدَّلاً   تَمْكُو فَريصَتُهُ كَشِدْقِ الأعْلمِ
يقال: مكت الفريصة، أي: صَوَّتت بالدَّمِ، ومكت استُ الدَّابة، أي: نفخت بالرِّيحِ.

وقال مجاهدٌ: المُكاءُ: صفيرٌ على لحنِ طائرٍ أبيض يكون بالحجازِ؛ قال الشاعر: [الطويل]
2702 - إذَا غرَّدَ المُكَّاءُ في غَيْرِ روْضَةٍ   فَوَيلٌ لأهْلِ الشَّاءِ والحُمُراتِ
المُكَّاء: فُعَّال، بناء مبالغةٍ؛ قال أبو عبيدة: " يقال: مَكَا يَمْكُو مُكُوًّا ومُكَّاءً: صَفَرَ، والمُكاء: بالضَّمِّ، كالبُكاءِ والصُّراخ ".

قال الزمخشريُّ: " المُكاءُ: فُعال، بوزن: الثُّغَاء والرُّغَاء، من مَكَا يَمْكُو: إذا صَفَر والمُكاء: الصَّفيرُ " ومنه: المُكَّاء: وهو طائر يألف الرِّيف، وجمعهُ المَكَاكِيُّ.

قيل: ولم يشذَّ من أسماء الأصوات بالكسر إلاَّ الغِنَاء، والنِّداء. والتَّصدية فيها قولان:

أحدهما: أنها من الصَّدى، وهو ما يُسْمع من رجع الصَّوْتِ في الأمكنة الخالية الصُّلبةِ يقال منه: صَدَى يصدي تصديةً، والمراد بها هنا: ما يسمع من صوت التَّصفيق بإحدى اليدينِ على الأخرى.

وقيل: هي مأخوذةٌ من التَّصددة، وهي الضَّجيجُ، والصِّياحُ، والتصفيق، فأبدلت إحدى الدَّالين ياءً تخفيفاً، ويدلُّ عليه قوله تعالى:إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } [الزخرف: 57] في قراءة من كسر الصَّاد، أي: يضجُّونَ ويلغطون، وهذا قول أبي عبيدة، وردَّه عليه أبو جعفر الرُّسْتمي، وقال: إنَّما هو مِن الصَّدْي، فكيف يُجعل من المضعَّف؟ وقد ردَّ أبو عليّ على أبي جعفر ردَّهُ وقال " قد ثبت أنَّ يصُدُّونَ من نحو الصَّوْتِ، فأخذهُ منه، وتصدية: تَفْعِلَة " ثم ذكر كلاماً كثيراً.

والثاني: أنَّها من الصَّدِّ، وهو المنعُ؛ والأصل: تَصْدِدَة، بدالين أيضاً، فأبدلت ثانيتهما ياء ويُؤيِّدُ هذا قراءةُ من قرأ " يَصُدُّونَ " بالضَّمِّ، أي: يمنعون. وقرأ العَامَّةُ: " صلاتُهُم " رفعاً، " مُكَاءً " نَصْباً.

وأبان بن تغلب والأعمش وعاصم بخلاف عنهما: { وما كان صلاتهم } نصباً، " مُكَاءٌ " رفعاً وخطَّأ الفارسيُّ هذه القراءة، وقال: لا يجوزُ أن يُخْبَر عن النَّكرةِ بالمعرفةِ إلاَّ في ضرورة؛ كقول حسَّانٍ: [الوافر]
2703 - كأنَّ سَبيئَةً مِنْ بَيْتِ رَأسٍ   يَكُونُ مزاجَهَا عسلٌ ومَاءُ

السابقالتالي
2