الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } * { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله: { وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ }.

نزلت في النضر بن الحارث من بني عبد الدَّارِ.

قال ابنُ عباسٍ: لمَّا قصَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شأن القرون الماضية قال النَّضْرُ: لو شئت لقلتُ مثل هذا إن هذا إلا ما سطر الأوَّلُونَ في كتبهم.

فقال له عثمانُ بن مظعون: اتق الله فإن محمداً يقول الحقَّ، قال: وأنا أقول الحق.

قال عثمان: فإنَّ محمداً يقول: لا إله إلاَّ الله، قال: وأنا أقول: لا إله إلاَّ الله ولكن هذه بنات الله، يعني: الأصنام.

ثم قال: { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا } الذي يقوله محمد { هُو الحقَّ من عندكَ }.

فإن قيل: في الآية إشكال من وجهين:

أحدهما: أن قوله { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ } الآية. حكاهُ الله عن كلام الكُفَّارِ، وهو من جنس نظم القرآن، فقد حصلت المعارضة في هذا وحكي عنهم في سورة الإسراء قولهم:لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنبُوعاً } [الإسراء: 90] الآيات، وهذا أيضاً كلامُ الكُفَّار فقد حصل من كلامهم ما يشبه نظم القرن، فدلَّ على حصول المعارضة.

الوجه الثاني: أنَّ كفار قريش كانُوا معترفين بوجود الإله، وقدرته، وكانوا قد سمعوا التَّهديد الكثير من محمد صلى الله عليه وسلم في نزول العذاب، فلو كان القرآن معجزاً لعرفوا كونه معجزاً، لأنهم أرباب الفصاحةِ والبلاغةِ، ولو عرفوا ذلك لكان أقلّ الأحوال أن يَشُكُّوا في نبوَّة محمد - عليه الصَّلاة والسَّلام -، ولو كانُوا كذلك لما أقدموا على قولهم: { اللَّهُمَّ إِن كان هذا هُوَ الحقَّ من عندكَ فأمْطِرْ علينا حِجارةً منَ السَّماءِ }؛ لأن الشَّاك لا يتجاسر على مثل هذه المبالغة وحيث أتوا بهذه المبالغة علمنا أنَّه ما لاح لهم في القرآن وجه من الوجوه المعجزة.

فالجواب عن الأول: أنَّ الإتيان بهذا القدر من الكلامِ لا يكفي في حصول المعارضة؛ لأنَّ هذا القدر كلام قليل لا يظهر فيه وجوه الفصاحة والبلاغة.

والجوابُ عن الثَّانِي: هَبْ أنَّه لم يظهر لهم الوجه في كون القرآن معجزاً إلاَّ أنَّهُ لما كان معجزاً في نفسه، فسواء عرفوا ذلك الوجه أو لم يعرفوا فإنه لا يتفاوت الحال.

قوله " هُو الحقَّ " العامَّةُ على نصب " الحقَّ " وهو خبر الكون، و " هُوَ " فصل، وقد تقدَّم الكلام عليه.

وقال الأخفشُ: " هو " زائد، ومرادُه ما تقدَّم من كونه فصلاً.

وقرأ الأعمشُ، وزيدُ بن علي: برفع " الحقَّ " ووجهها ظاهرٌ، برفع " هُوَ " بالابتداء و " الحق " خبره، والجملةُ خبرُ الكونِ؛ كقوله: [الطويل]
2699 - تَحِنُّ إلَى لَيْلَى وأنْتَ تَركْتَهَا   وكُنْتَ عليْهَا بالمَلا أنْتَ أقْدَرُ

السابقالتالي
2 3 4 5