الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله: { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ } قال الحسنُ، ومجاهد، والسُّدِّي: إنه خطابٌ للكافرين، وذلك أنَّ أبا جهل قال يوم بدر: اللَّهم، انصر أفضل الفريقين وأحقَّه بالنَّصْر.

وروي أنه قال: اللَّهم، أينا كان أقطع للرَّحمِ وأفجر؛ فأهلكه الغداة.

وقال السدي: " لمَّا أراد المشركون الخروج إلى بدر تعلَّقُوا بأستار الكعبة وقالوا: اللَّهُمَّ انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين، فأنزل الله تعالى: { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ } أي: تستنصروا لإحدى القبيلين، فقد جاءكم النصر ".

وقال آخرون: المعنى: إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.

قال عبد الرحمن بن عوف: إني لَفِي الصَّف يوم بدر، فالتفت، فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السِّنِّ وكأني لم آمن لمكانهما، فتمنيت أن أن أكون بين أضلع منهما، إذ قال لي أحدهما سرًّا من صاحبه، أي عم أرني أبا جهل، فقلت: يا ابن أخي ما تصنعُ به؟.

قال: عاهدت الله إن رأيته أن أقتله، أو أموت دونه، وقال لي الآخر سرًّا من صاحبه مثله، فما سَرَّني أنني بين رجلين مكانهما فأشرت لهما عيله، فشدَّا عليه مثل الصقرين حتَّى ضرباهُ، وهما ابنا عفراء.

وقال عكرمةُ: قال المشركون: والله ما نعرف ما جاء به فافتح بيننا وبينه بالحق، فأنزل الله تعالى: { إِن تَسْتَفْتِحُواْ } الآية، أي: إن تسْتَفتِحُوا فقد جاءكم القضاء.

وقال أبيّ بن كعب: هذا خطاب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله للمسلمين: { إِنْ تَسْتَفْتِحُواْ } أي تستنصروا فقد جاءكم الفتح والنصر. روى قيس عن خباب قال: " شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسّد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا له: ألا تدعو الله لنا، ألا تستنصر لنا، فجلس مُحْمرّ الوجه، فقال لنا: " لقَد كانَ مَنْ قَبْلكُم يُؤخَذُ الرجلُ فيُحْفَر لهُ في الأرضِ ثُمَّ يُجاءُ بالمنشَارِ فيجعلُ فوق رأسِهِ ثُمَّ يُجعَلُ نِصفيْنِ ما يَصْرفهُ عنْ دينهِ، ويُمَشَّطُ بأمشاطِ الحديدِ ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ ما يصرفهُ عن دينهِ، والله ليُتمَّنَّ الله هذا الأمر حتَّى يسير الرَّاكبُ مِنْكُم من صنعاء إلى حضْرموت لا يخافُ إلا اللَّه، ولكنَّكُم تَسْتَعْجِلُونَ " ".

قال القاضي: وهذا القول أوْلَى؛ لأن قوله { فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ } لا يليق إلا بالمؤمنين اللهم إلاَّ أن يحمل الفتحُ على الحكم والقضاء، فيمكن أن يراد به الكفار.

قوله: { وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ }.

فإن قلنا: إن ذلك الخطاب للكفار، كان المعنى وإن تنتهوا عن قتال الرَّسول وعداوته؛ فهو خير لكم في الدّين بالخلاص من العقاب، وفي الدّنيا بالخلاص من القتل والأسر والنَّهْبِ.

" وإن تَعُودُوا " إلى القتال: " نَعُدْ " أي: إلى تسليطه عليكم: { وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ } كثرة الجموع كما لم يغن ذلك يوم بدر.

السابقالتالي
2