الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ }

قوله: " ذَلِكَ بأنَّهُمْ " ، " ذلكَ " مبتدأ وخبر، والإشارةُ إلى الأمر بضربهم، والخطابُ يجوزُ أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم ويجوز أن يكون للكفَّارِ، وعلى هذا فيكونُ التفاتاً.

كذا قال أبُو حيَّان وفيه نظر لوجهين:

أحدهما: أنه يلزمُ من ذلك خطابُ الجمع بخطاب الواحد، وهو ممتنعٌ أو قليلٌ، وقد حُكِيَتْ لُغَيَّة.

والثاني: أنَّ بعده: { بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ } فيكون التفت من الغيبةِ إلى الخطاب في كلمة واحدة، ثمَّ رجع إلى الغيبة في الحال، وهو بعيدٌ.

قوله: { وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ } " مَنْ " مبتدأ، والجملةُ الواقعة بعدها خبرها، أو الجملة الواقعة جزاءً أو مجموعهما، ومن التزم عود ضمير من جملة الجزاءِ على اسمِ الشَّرط قدَّرهُ هُنَا محذوفاً تقديره: فإنَّ الله شديدُ العقاب له.

واتفق القُّراءُ على فكِّ الإدغام هنا في: " يُشاقِقِ "؛ لأنَّ المصاحفَ كتبته بقافين مفكوكتين، وفَكُّ هذا النوعِ لغةُ الحجاز، والإدغامُ بشروطه لغة تميم.

فصل

والمعنى: أنَّه تعالى ألقاهم في الخزي والنَّكال من هذه الوجوه الكثيرة؛ لأنهم شَاقُّوا الله ورسوله قال الزَّجَّاجُ جانبوا، وصاروا في شقّ غير شقِّ المؤمنين والشِّقُّ الجانب و " شَاقوا اللَّهَ " مجاز، والمعنى: شاقُّوا أولياءَ اللَّهِ، ودين اللَّهِ.

ثم قال: { وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } يعني أنَّ هذا الذي نزل بهم في ذلك اليَوْمِ شيءٌ قليلٌ بالنسبة لِمَا أعدَّ لهم من العقاب يوم القيامةِ.

قوله: { ذَٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ } يجوز في: " ذَلِكُمْ " أربعةُ أوجهٍ:

أحدها: أن يكون مرفوعاً على خبر ابتداء مضمر، أي: العقاب ذلكم، أو الأمر ذلكم.

الثاني: أن يرتفع بالابتداء، والخبرُ محذوفٌ، أي: ذلكم العقابُ وعلى هذين الوجهين؛ فيكون قوله " فَذُوقُوهُ " لا تعلُّق لها بما قبلها من جهة الإعراب.

والثالث: أن يرتفع بالابتداء، والخبرُ قوله: " فَذُوقُوهُ " وهذا على رأي الأخفشِ فإنَّهُ يرى زيادة الفاء مطلقاً أعني سواءً تضمَّن المبتدأ معنى الشَّرط أمْ لا، وأمَّا غيرُهُ فلا يُجيز زيادتها إلاَّ بشرط أن يكون المبتدأ مشبهاً لاسم الشرك ما تقدَّم تقريره.

واستدلَّ الأخفشُ على ذلك بقول الشاعر: [الطويل]
2684 - وقَائِلَةٍ: خَولاَنُ فانْكِحْ فَتَاتَهُمْ   وأكرُومَةُ الحَيَّيْنِ خِلْوٌ كَمَا هِيَا
وخرَّجهُ الآخرون على إضمار مبتدأ تقديره: هذه حَوْلاَنُ.

الرابع: أن يكون منصوباً بإضمار فعل يُفسِّرهُ ما بعده، ويكون من باب الاشتغال.

وقال الزمخشريُّ: " ويجوز أن يكون نصباً على: عليكم ذلكم فذوقوه كقولك: زيداً فاضربه ".

قال أبو حيان: " ولا يَصِحُّ هذا التقدير، لأنَّ " عليكم " من أسماء الأفعال وأسماءُ الأفعالِ لا تُضْمَر، وتشبيهُهُ بقولك: زيداً فاضربهُ، ليس بجيّد؛ لأنَّهم لم يُقدِّرُوه بـ " عليك زيداً فاضربه " وإنَّما هذا منصوبٌ على الاشتغالِ ".

السابقالتالي
2