الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ }

قوله: { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ } في " إذْ " أوجهٌ:

أحدها: أنَّهُ بدلُّ ثالث من قوله { وَإِذْ يَعِدُكُمُ }.

الثاني: أن ينتصب بقوله " يُثَبِّتَ ".

قالهما الزمخشريُّ ولم يبن ذلك على عودِ الضمير.

وأمَّا ابنُ عطية: فبناه على عَوْدِ الضَّمير في قوله " بِهِ " فقال: العاملُ في " إذْ " العاملُ الأول على ما تقدَّم فيما قبلها، ولو قدَّرناهُ قريباً لكان قوله: " ويُثَبِّتَ " على تأويل عوده على الرَّبْطِ.

وأمَّا على تأويل عوده على: " المَاءِ " فيقلق أن يعمل " ويُثَبِّتَ " في " إذ " وإنَّما قلق ذلك عنده لاختلاف زمان التثبُّت وزمان الوحي، فإنَّ إنزالَ المطر وما تعلَّق به من تعليلاتٍ متقدمٌ على تغشية النُّعاس، وهذا الوحيُ وتغشيةُ النُّعاس والإيحاءُ كانا وقت القتال.

قوله: " أنِّي معَكُمْ " مفعولٌ بـ " يُوحِي " أي: يوحي كوني معكم بالغلبةِ والنصر.

وقرأ عيسى بن عمر - بخلافٍ عنه - " إنِّي مَعَكُمْ " بكسرِ الهمزةِ وفيه وجهان:

أحدهما: أنَّ ذلك على إضمار القول، وهو مذهب البصريين.

والثاني: إجراء " يُوحِي " مُجْرَى القول؛ لأنَّهُ بمعناه، وهو مذهب الكوفيين.

فصل

في المعنى وجهان: أحدهما: أنَّه تعالى أوحى إلى الملائكة بأنَّهُ تعالى معهم أي مع الملائكة حال إرسالهم رِدْءاً للمسلمين.

والثاني: أنَّهُ تعالى أوحى إلى الملائكة أني مع المؤمنين فانصروهم، وثبتوهم، وهذا أولى؛ لأن المقصود إزالة التَّخويف، والملائكةُ لم يخافوا الكُفَّار، وإنَّما الخائف هم المسلمون.

ثم قال: { فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } في كيفيَّةِ هذا التَّثْبيت وجوهٌ: فقيل: إنَّهم عرَّفُوا الرَّسُول - عليه الصَّلاة والسَّلام - أنَّ الله ناصر المؤمنين والرَّسول عرَّف المؤمنين ذلك، فهذا هو التثبيتُ.

وقيل: إنَّ الشيطان كما يُمكنه إلقاء الوسوسة إلى الإنسان، فكذلك الملك يمكنه إلقاء الإلهامِ إليه، فالتثبيت من هذا الباب.

وقيل: إنَّ الملائكة كانوا يتشبَّهُون بصورِ رجال من معارفهم وكانوا يمدونهم بالنَّصر والفتح، والظَّفَرِ.

قوله: { سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } وهذا من النعم الجليلة، لأنَّ أمير النفس هو القلب فلمَّا بيَّن اللَّهُ تعالى أنَّهُ ربط قلوب المؤمنين أي: قوَّاها، وأزال الخوف عنها ذكر أنه ألقى الرُّعْبَ في قلوب الكافرينَ، فكان ذلك من أعظمِ نعم الله تعالى على المؤمنين.

قوله: " فاضْرِبُوا " قيل: هذا أمر للملائكة متصلٌ بقوله تعالى: " فَثَبِّتُوا ".

وقيل: أمر للمؤمنين وهو الصَّحيح لما تقدَّم من أنَّ الملائكة لم ينزلوا للمقاتلة، بل لتقوية قُلُوبِ المؤمنين وتثبيتهم.

قوله: " فوْقَ الأعناقِ " فيه أوجه:

أحدها: أنَّ " فوْقَ " باقيةٌ على ظرفيتها والمفعولُ محذوفٌ، أي: فاضربوهم فوق الأعناقِ. علَّمَهُم كيف يضربونهم.

السابقالتالي
2