قوله: " إذْ يُغَشِّيكمُ " في " إذ " وجوه: أحدها: أنَّهُ بدلٌ من " إذ " في قوله: " وإذْ يَعِدُكُم " قال الزمخشريُّ: " إذْ يغشاكُمُ " بدلٌ ثانٍ من " إذ يعدكُم ". قوله: " ثَانٍ "؛ لأنه أبدل منه " إذْ " في قوله: " إذْ تستغيثُونَ " ووافقه على هذا ابنُ عطيَّة، وأبو البقاء. الثاني: أنَّهُ منصوبٌ بـ " النصر ". الثالث: بما في عند الله من معنى الفعل. الرابع: بـ " ما جعله اللَّهُ ". الخامس: بإضمار " اذكُر " ذكر ذلك الزمخشريُّ. وقد سبقه إلى الرابع: الحُوفِيُّ. وقد ضعَّف أبو حيان الوجه الثَّاني بثلاثة أوجهٍ: أحدها: أنَّ فيه إعمال المصدر المقرون بـ " أل " قال: وفيه خلاف: ذهب الكوفيُّون إلى أنَّه لا يعمل. الثاني: أنَّ فيه فصلاً بين المصدر ومعموله بالخير، وهو قوله: " إلاَّ منْ عندِ اللهِ " ولو قلت: " ضَرْب زيدٍ شديدٌ عمراً " لَمْ يَجُزْ. الثالث: أنه عمل ما قبل " إلاَّ " فيما بعدها، وليس أحد الثلاثة الجائز ذلك فيها؛ لأنَّه لا يعملُ ما قبلها فيما بعدها إلا أن يكون مستثنى، أو مستثنى منه أو صفة له. وقد جوَّز الكسائيُّ والأخفش: إعمال ما قبل " إلاَّ " فيما بعدها مطلقاً، وليس في هذه الأوجه أحسنُ من أنَّهُ أخبر عن الموصول قبل تمام صلته، وضعَّف الثَّالث بأنَّهُ يلزم منه أن يكون استقرارُ النَّصْرِ مُقَيَّداً بهذا الظَّرفِ، والنَّصرُ من عند اللَّه لا يتقيَّدُ بوقت دون وقت وهذا لا يضعفُ به؛ لأنَّ المراد بهذا النَّصر نصرٌ خاص، وهذا النصرُ الخاصُّ كان مقيَّداً بذلك الظرف. وضعَّف الرابع بطولِ الفصلِ، ويكون معمولاً لما قبل " إلاَّ ". السادس: أنَّهُ منصوبٌ بقوله: " ولتَطْمئنَّ بِهِ " قاله الطَّبريُّ. السابع: أنَّهُ منصوبٌ بما دلَّ عليه: " عزيزٌ حكيمٌ " قاله أبُو البقاءِ ونحا إليه ابن عطيَّة قبله. وقرأ ابنُ كثير، وأبو عمرو: " يغْشاكُمُ النُّعاسُ " ، ونافع " يُغشِيكُمُ " بضمِّ الياءِ، وكسر الشِّين خفيفة " النّعاسَ " نصباً والباقون " يُغَشِّكُمُ " كالذي قبله، إلاَّ أنه بتشديد الشِّين. فالقراءة الأولى من: " غَشِيَ يَغْشَى " ، و " النُّعاسُ " فاعل، وفي الثانية من: " أغْشَى " وفاعله ضميرُ الباري تعالى، وكذا في الثالثة من: " غَشَّى " بالتشديد، و " النُّعَاس " فيهما مفعول به. و " أغْشَى وغَشَّى " لغتان. قال الواحديُّ: من قرأ " يَغْشَاكم " فلقوله:{ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ } [آل عمران: 154] فكما أسند الفعل هناك إلى " النُّعاس " ، و " الأمَنَة " التي هي سبب النُّعاس كذلك ههنا، ومن قرأ " يُغشيكم " ، أو " يُغشِّيكم " فالمعنى واحدٌ، وقد جاء التَّنْزِيلُ بهما في قوله: