الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }

قوله تعالى { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنفَالِ } الآية.

فاعل: يَسْأل يعوُد على معلومٍ، وهم من حَضَرَ بَدْراً، وسَألَ تارةً تكون لاقتضاءِ معنى في نفسِ المسئول فتتعدَّى بـ " عَنْ " كهذه الآية؛ وكقول الشاعر: [الطويل]
2668 - سَلِي - إنْ جَهلْتِ - النَّاسَ عنَّا وعنْهُم   فَليْسَ سواءً عالمٌ وجَهُولُ
وقد تكُون لاقتضاءِ مالٍ ونحوه؛ فتتعدَّى لاثنين، نحو: سألتُ زيداً مالاً، وقد ادَّعَى بعضهم: أنَّ السُّؤال هنا بهذا المعنى.

وزعم أنَّ " عَنْ " زائدةٌ، والتقدير: يَسْألونك الأنفالَ، وأيَّد قوله بقراءة سعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وعلي بن الحسين، وزيد ولده، ومحمد الباقر ولده أيضاً، وولده جعفر الصَّادق، وعكرمة وعطاء " يَسألونكَ الأنفالَ " دون " عَنْ ".

والصحيح أنَّ هذه القراءة على إرادة حرف الجرِّ، وقال بعضهم: " عَنْ " بمعنى " مِنْ ". وهذا لا ضرورة تدعو إليه.

وقرأ ابنُ محيصنٍ " عَلَّنْفَالِ " والأصل، أنَّه نقل حركة الهمزة إلى لام التعريف، ثم اعتدَّ بالحركةِ العارضة، فأدغمَ النُّونَ في اللاَّم كقوله:وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم } [العنكبوت: 28] وقد تقدم ذلك في قولهعَنِ ٱلأَهِلَّةِ } [البقرة: 189].

والأنفالُ: جمع: نَفَل، وهي الزِّيادةُ على الشيءِ الواجب، وسُمِّيت الغنيمة نفلاً، لزيادتها على الحوزة.

قال لبيدٌ: [الرمل]
2669 - إنَّ تَقْوَى ربَّنَا خَيْرُ نَفَلْ   وبإذْنِ اللَّهِ ريثي وعَجَلْ
وقال آخر: [الكامل]
2670 - إنَّا إذا أحْمَرَّ الوغَى نروي القَنَا   ونَعِفُّ عند تقاسُم الأنفالِ
وقيل: سُمِّيت الأنفال؛ لأنَّ المسلمين فُضِّلُوا بها على سائر الأمم.

وقال الزمخشريُّ: والنَّفَل ما ينفلُهُ الغازي، أي: يعطاه، زيادةً على سهمه من المغنم، وقال الأزهريُّ " النَّفَل، والنَّافلة ما كان زيادةً على الأصلِ، وسُمِّيت الغنائمُ أنفالاً؛ لأنَّ المسلمين فُضِّلُوا بها على سائر الأمم، وصلاةُ التطوع نافلةٌ؛ لأنَّها زيادةٌ على الفرض " وقال تعالى:وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً } [الأنبياء: 72] أي: زيادة على ما سأل.

قال القرطبي: النَّفَلُ - بتحريك الفاءِ - والنَّفْل: اليمينُ، ومنه النَّفَل في الحديث " فتبرئكم يهود بنفل خمسين منهم " والنَّفل: الانتفاءُ، ومنه الحديث فانتفلَ من ولده. والنَّفلُ: نبت معروف.

فصل

في هذا السؤال قولان:

أحدهما: أنَّهم سألوا عن حكم الأنفال، كيف تُصرفُ؟ ومن المستحقُّ لها؟ نظيره قوله تعالى:وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ } [البقرة: 222] ووَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ } [البقرة: 220] فقال في المحيض:قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ } [البقرة: 222] وقال في التيامىقُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } [البقرة: 220]. فأجابهم بالحكم المعيَّن في كل واقعةٍ فدلَّ الجواب المعيَّن على أنَّ السؤال كان عن مخالطة النساء في المحيض، وعن التصرُّفِ في مال اليتامى ومخالطتهم في المؤاكلة.

الثاني: هذا سؤال استعطاء، و " عَنْ " بمعنى " مِنْ " ، وهذا قول عكرمة كما تقدم في قراءته.

السابقالتالي
2 3