الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ } * { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ مَا سَعَىٰ } * { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ } * { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } * { وَآثَرَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } * { فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } * { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } * { فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ }

قوله تعالى: { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ } في جواب " إذا " أوجه:

أحدها: قوله: { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } ، نحو: " إذا جاءك بنو تميمٍ، فأما العاصي فأهنه، وأمَّا الطائع فأكرمه ".

وقيل: محذوف.

فقدَّرهُ الزمخشريُّ: فإن الأمر كذلك، أي: فإنَّ الجحيمَ مأواهُ.

وقدَّره غيرهُ: انقسم الرَّاءون قسمين.

وقيل: عاينُوا أو علموا.

وقيل: جوابها أدخل أهل النار النار، وأهل الجنة الجنة.

وقال أبو البقاء: العامل فيها جوابها، وهو معنى قوله تعالى: { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ }.

والطَّامةُ الكبرى: الدَّاهيَة العُظمَى التي تطمّ على غيرها من الدَّواهي لعظمها، و " الطَّمُّ ": " الدفن " ، ومنه: طمَّ السَّيلُ الرَّكية، وفي المثل: جَرَى الوادِي فطمَّ على القُرَى.

وقيل: مأخوذٌ من قولهم: طمَّ الفرس طميماً، إذا استفرغ جهده في الجري، والمراد بها في القرآن: النَّفخة الثانية؛ لأن بها يحصل ذلك.

قال ابن عباس: هي النَّفخةُ الثانية التي يكون معها البعث.

وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أيضاً، والضحاك: أنَّها القيامة، سميت بذلك؛ لأنَّها تطمُّ على كل شيء فتغمره.

وقال القاسمُ بنُ الوليد الهمداني: الطامةُ الكبرى حين يساق أهل الجنَّة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار.

قوله: { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ } بدل من " إذا " ، أو: منصوباًَ بإضمار فعلٍ، أي: أعني: يوم أو يوم يتذكر كيت وكيت.

قوله: { مَا سَعَىٰ } أي: ما عمل من خير أو شر يراه مكتوباً في كتابه فيتذكرهُ، وكان قد نسيه، لقوله تعالى:أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ } [المجادلة: 6].

قوله تعالى: { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ } العامة على بنائه للمفعول مشدداً، و { لِمَن يَرَىٰ } بياء الغيبة.

وزيدُ بن علي وعائشة وعكرمة: مبنيًّا للفاعل مخففاً، و " ترى " بتاء من فوق، فجوزوا في تاء " ترى " أن تكون للتأنيث، وفي " ترى " ضمير الجحيم، كقوله تعالى:إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } [الفرقان: 12]، وأن تكون للخطاب، أي: ترى أنت يا محمد، والمراد: ترى الناس. وقرأ عبد الله: " لمن رأى " فعلاً ماضياً.

قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: " بُرِّزَتْ " كشفت عنها تتلظّى، فيراه كل ذي بصرٍ، فالمؤمنون يمرُّون عليها،وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } [مريم: 71]، وأمَّا الكفار فهي مأواهُم.

وقيل: الرؤية هنا: استعارة، كقولهم: قد تبين الصبح لذي عينين.

وقيل: المراد: الكافر؛ لأنه الذي يرى النار بما فيها من أصناف العذاب.

وقيل: يراها المؤمن ليعرف قدر النَّعمةِ.

قوله: { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } أي: تجاوز الحدَّ في العصيان.

قيل: نزلت في النَّضْرِ وأبيه الحارث، وهي عامة في كل كافرٍ آثر الحياة الدنيا على الآخرة.

قوله: { فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } إمَّا هي المأوى له، أو هي مأواه، وقامت " أل " مقام الضمير، وهو رأي الكوفيين وقد تقدم تحقيق هذا والرد على قائله، خلافاً للبصريين؛ قال الشاعر: [الطويل]

السابقالتالي
2